*** لماذا لا نتصالح مع أنفسنا .... ؟ !!! ***
gmt 2:15:00 2008 الأحد 16 نوفمبر
أوان الكويتية
محمد الرميحي
الجولة الخلافية بين العقل والنقل تخرّب الأوطـان وتعطّــل التنمية،
لا أعرف لماذا، ونحن في بلد صغير كالكويت، يأخذنا البعض إلى ما لا نرضاه لأنفسنا ولا لوطننا؟!
يأخذنا إلى معارك وهمية كمستنقع الطائفية البغيضة، ألا نرى ما فعلت الطائفية في مناطق من حولنا، وما تركت من دمار للناس والأوطان؟
ألا نرى الحرب الأهلية غير المعلنة في جوارنا في العراق، يقتل السنيُّ الشيعيَّ والشيعيُّ السنيَّ من دون ذنب أو مبرر؟
ألا نستشعر تلك الحرب التي كادت تفتك ببلد مثل لبنان، أو ما يظهره البعض من تعارض مرضيٍّ بين أبناء الوطن الواحد في مصر، فهذا مسلم وذاك قبطي؟
الطائفية والمذهبية تسبّب عطلاً رسمياً في الأوطان وفي البشر، وتشكّل عملية تسويد (من السواد) لما قامت عليه الكويت من تسامح أوصلنا إلى ما نحن فيه من ديمقراطية وحريات نفخر بها.
تشخيص مشكلة الطائفية في حقيقتها هو أن البعض يريد أن يستغلّ غفلة الآخرين من أجل الاستفادة السياسية من إثارة نعرات كهذه، ولا يهمه بعد ذلك النزيفُ الذي يمكن أن يحدث للنسيج الاجتماعي والتمزق البغيض بين الأهل، يريد أن يعودنا على ثقافة قائمة على قدم واحدة، هي نبذ الآخر دون قبوله، وكرهُه دون حبه، وإلغاؤه دون الاعتراف به.
يحدث هذا في الكويت بعد أيام قلائل من دعوة صاحب السمو الأمير من أعلى منبر في العالم (الأمم المتحدة)، التي طالب فيها بالتسامح وقبول الآخر، حتى غير المسلم، لأنه إنسان. فكيف بالمسلم الموحِّد. حقيقة الأمر أن نبذ الآخر المختلف في المذهب أو الدين أو الجنس، هو نسق فكري مغلق على نفسه وعلى أتباعه، لا يلبث أن يخرج منه مَن لا يتفق معه حتى يبقى وحيداً معزولاً.
اليوم، النسُق الفكرية مفتوحة على بعضها، لم يعد ممكناً في عالم القرن الحادي والعشرين أن يكون هناك بشر لديهم قليل من العقل يقبلون النسَق الفكري المغلق. هناك نموذج حضاري دعت إليه كل الديانات، والإسلام على رأسها، هو أن الخلاف والاختلاف يجب أن يناقشا بالعقل لا بالتعصب، فقد خُلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف لا لنتقاتل. واستثمار هذا التعصب ضد الآخر عمل يؤدي إلى خراب الأوطان وتسميم العلاقة بين الدول.
البعض يريد أن يبذر بيننا مشروعاً لحرب أهلية في بلد صغير عن طريق نبذ الآخر واحتكار الحقيقة، وذلك لا يتناقض مع مبادئ الديمقراطية التي ارتضيناها فحسب، بل ويتناقض أيضا مع المبادئ الحضارية، ومع عالم اليوم الواسع القابل لمختلف الاجتهادات.
إننا نحذّر من فقدان البوصلة، والاصطفاف خلف التشدد، وتحريك الهويات، وتضخيم تناقضها الثانوي باعتبار أنه تناقض أصيل لا توافق بعده.
كلنا نخطئ، وأفضلنا من يعترف بالخطأ ويرجع عنه، ولاسيما إذا كان هذا الخطأ يتجاوز الأشخاص ليصل إلى الأوطان.
المصدر
ايلاف
جريدة الجرائد
المفضلات