خبر قبول القيادة السورية للمبادرة العربية ودون شروط، أجمل من أن يصدق، لولا صدوره من وزير خارجية سوريا نفسه. فقد جاء سريعا ومناقضا في روحه ومعناه لتهديداتها بعمل زلزالي في المنطقة، فكيف يستقيم الأمر؟ ولذلك أكد المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري في بيانه مساء الأربعاء الفائت أنه كان مجرد مناورة. فالمبادرة تفرض على القيادة السورية أمورا سوف تطيح بها لو طبقتها بأمانة... إخلاء المدن من المظاهر المسلحة ومحادثات مع المعارضة... إلخ.
هل الأمور سهلة لهذا الحد؟ لقد سفكت دماء سورية غزيرة صارت، بفعل سفكها كوسيلة للتعامل مع المواطنين، تباعد، بصورة حاسمة، ما بينهم وبين تلك القيادة. صار القوم قومين تتحكم بسلوك الواحد منهما نحو الآخر ثارات وأحقاد ومخاوف ستساهم في تعريف شروط العمل السياسي في سوريا لمدى من الزمن كاف لاستغراق ذاكرة جيل بكامله.
وتلك حالة ليس بالإمكان، في ضوء النتائج المتحصلة على الأرض، تناسيها أو تجاوزها، مالم يكن واضحا منذ البداية استعداد القيادة الحالية للتنحي عن السلطة تنحيا كاملا.
لكننا نعلم مما لدينا من نماذج مشابهة أن ذلك مستحيل. إصرار القذافي على موقفه حتى ساعة إخراجه من أنبوب صرف صحي تحت الأرض في سرت، ثم مقتله مثل لن ينساه أحد. قبول القيادة اليمنية للمبادرة الخليجية ثم محاولات التملص منها مثل آخر لا يسقطه أحد من حسابه. علينا أن ننتظر ونراقب. فالحالة في سوريا اكثر تعقيدا من مجرد إعلان صحفي أو حتى دبلوماسي.
لكن كيف سينتهي الصراع؟ ذلك ما يؤرق الذين يخافون على سوريا وشعبها وعلى المنطقة واستقرارها وسلامها. مالم تحسم الأمور، بسرعة، فهذا الصراع قد يفجر صراعات كثيرة تكون على حساب قوة سوريا العسكرية والاقتصادية ودورها في الجامعة وفي النظام العربي كله.
لا ينسى أحد أن القيادة السورية دأبت حتى هذه اللحظة على التهديد بحلفائها في إيران ولبنان. قراءة هذه التهديدات في سياق حديث في إسرائيل، حاليا، عن قرار اتخذ بمهاجمة البرنامج النووي الإيراني، تؤكد خطورة التطورات المحتملة القادمة. فقيام إسرائيل بمهاجمة سوريا، ردا على صاروخ سوري يطلق باتجاهها، تحت أي غطاء، كما هو الحال في غزة دائما، يحمل جوائز هامة كثيرة للمعتدين وحلفائهم، منها بقاء النظام السوري بعد تدمير قوة سوريا. إصرار القذافي على البقاء ولو على حساب تدمير ليبيا ومنجزاتها مثل سوف يتكرر.
مطلوب العمل بسرعة لوضع حد لمثل هكذا تطورات، وذلك بإدارة القيادات العربية للأزمة إدارة واعية عبر اتصالات القادرين منهم مع القيادات الدولية الهامة لمنع اللعب بمصير سوريا وبالتالي بمصير المنطقة؛ وإقناعهم بضرورة إعطاء الشعب السوري نفسه والجامعة العربية كل الفرص التي تحتاجها لحل المشكلة.
واجب الجامعة أن تلح على مبادرتها وأن تعظم من أسباب المصالحة، بممارسة كل الضغوط اللازمة على القيادة السورية للالتزام بما أعلنت عنه.، فلعل قبولها بالمبادرة قبول صادق على الرغم من كل شيء.
فالح الطويل
المفضلات