بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
إن مراعاة أحوال المخاطبين أمر مهم لا يصح إغفاله ، ومن لوازم اختيار الموضوع المناسب ، والوقت المناسب ، وعرضه بأسلوب يفهمه المخاطب ، والحديث معهم على قدر عقولهم حتى لا يكون فتنة لهم ذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه معلقا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُنْزِلَ الناس منازلهم » ، وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله : "ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنه " ، وصح عن الإمام علي رضي الله عنه قوله : " حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله " .
المنهج الأفضل في الدعوة ـ والله تعالى أعلم ـ هو : الدعوة إلى الله بالعلم لا بالجهل ، ويبدأ بالمهم فالذي يليه ، ويُعلم العامة ما يحتاجونه بألفاظ وعبارات قريبة من أفهامهم ومستوياتهم وتقديم حقائق الإسلام ومناهجه ابتداءا ، وليس إيراد الشبهات والرد عليها . متجنبا الألفاظ البعيدة عن أفهامهم ، ويتوسط مع أوساط الناس ، ويتأنق مع الخاصة ، فيكون مع جميع الطبقات حكيما يضع الأشياء في مواضعها ، وبكل حال عليه أن يختار الكلمات والمعاني المفهومة والنفيسة ، وتنسيقها ، وشرحها بالدقة ، وإبلاغها أذهان السامعين ، وإنفاذها في قلوبهم ، ودفع السآمة والملل عنهم ، بإيراد الشواهد عليه من الكتاب والسنة الصحيحة ومن الحكم النثرية والشعرية ، بشرط التزام الكتاب والسنة ، وبذلك يكون الداعية موفقا مؤثرا بإذن الله تعالى ، إذا قصد إبلاغ الناس بإخلاص وصدق ورغبة فيما عند الله تعالى ثم إعطاء الناس ميزان الحق ، ودعوتهم إلى أصول الدين ، ومخاطبتهم على قدر عقولهم ، والتعرف على مداخل نفوسهم وسيلة في هدايتهم .
الحكمة تجعل الداعية إلى الله يتأمل ويراعي أحوال المدعوين وظروفهم وأخلاقهم وطبائعهم ، والوسائل التي يُؤتَون من قبلها ، والقدر الذي يبين لهم في كل مرة حتى لا يثقل عليهم ، ولا يشق بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها ، والطريقة التي يخاطبهم بها ، والتنويع والتشويق في هذه الطريقة حسب مقتضياتها فالحكمة تجعل الداعية ينظر ببصيرة المؤمن ، فيرى حاجة الناس فيعالجها بحسب ما يقتضيه الحال ، وبذلك ينفذ إلى قلوب الناس من أوسع الأبواب ، وتنشرح له صدورهم ، ويرون فيه المنقذ الحريص على سعادتهم ورفاهيتهم وأمنهم واطمئنانهم ، وهذا كله من الدعوة إلى الله بالحكمة التي هي الطريق الوحيد للنجاح .
والمهم أن تكون أقوال الداعية إلى الله - تعالى - وأفعاله وتدبيراته وأفكاره نابعة من الحكمة ، موافقة للصواب ، غير متقدمة على أوانها ولا متأخرة ، لا زيادة فيها عما ينبغي ولا نقص ، مجتهدًا في معرفة نفعه وصلاحه ، سالكًا أقرب طريق يوصل إلى ذلك .
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه
المفضلات