* عصام قضماني
في لقائه مع رؤساء التحرير والكتّاب الاقتصاديين في الصحف اليومية أعاد جلالة الملك عبدالله الثاني بشفافية ومصارحة كعادته , توصيف مسيرة الإصلاح الوطني , فالبقدر الذي كان فيه جلالته مرتاحا لسير العمل في ملفي الإصلاح السياسي , كان أكثر قلقا حيال الوضع الإقتصادي .
الوضع الاقتصادي وتفاقم عجز الموازنة مقلق وتأخير إبتكار الحلول سينذر بأوضاع صعبة للغاية ، لذلك فإن تلافي بلوغ نهاية النفق يحتاج لأن يعمل الجميع حكومة وقطاعا خاصا ومؤسسات أهلية ومدنية بروح الفريق الواحد لمواجهة التحدي الإقتصادي , بدءا بالإقرار بأهمية الملف الإقتصادي كأولوية شأنه في ذلك شأن باقي الملفات ومرورا بالتشخيص الواقعي لخطورة الوضع وأول مؤشراته عجز الموازنة وإرتفاع غير مسبوق للمديونية وإنتهاء بوضع حلول ناجعة وسريعة .
وفي إعادة التوصيف أعاد جلالته التأكيد على توأمة الملفات وهي المباديء التي ضمنها كتاب التكليف السامي للحكومة وكل ما تلا ذلك من رسائل وتوجيهات , فالإصلاح السياسي يجب أن يواكبه إصلاح اقتصادي وبذات الوتيرة , والفصل بين مساريهما غير ممكن , ليس فقط للدور التكميلي كليهما للأخر بل لتشابكهما في النتائج والآثار ولأن غياب الإستقرار الإقتصادي سيقوض كل جهود الإصلاح السياسي وبدلا من أن ينضج بثماره سيأكلها .
وإن كانت الحكومة قد إنشغلت منذ اليوم الأول لتشكيلها في موضوع الإصلاح السياسي , فإن الوقت لم يفت للعودة الى ترتيب الأولويات فهناك حاجة ماسة اليوم لأن نعيد لملف الإقتصاد الصدارة , مع قرب نضوج الجهود في ملفي الإصلاح السياسي والدستوري وهي كما يبدو من مقدماتها تؤشر على توافق ورضا من القاعدة الى رأس الهرم .
لذلك فإن القراءة المغلوطة لمفهوم الإصلاح الإقتصادي وتبدل الأولويات في ضوء التطورات السياسية والإجتماعية ساهمت في تباطؤ عملية الإصلاح الإقتصادي التي أرجئت إما بفعل الضجيج الذي صاحب الإصلاحات السياسية رغم وضوح خطواتها , وإما بفعل التردد في إتخاذ القرار إزاء الملفات الإقتصادية الرسالة واضحة , لا تحتاج الى تفسير ولا تحتاج الى إجتهاد فلا حاجة للتأكيد على عمق التشابك بين الاقتصاد والسياسة , لأن ارتباط « الحريات السياسية « على سبيل المثال برغيف الخبز هو ارتباط مقدس , ولطالما كان رغيف الخبز مطلبا سياسيا في الأساس , ومن هنا فإن ترابط الإصلاح السياسي بالاقتصادي هو ارتباط عضوي , ومن لا يتفق مع ذلك عليه أن يعود ليقرأ حجم التأثير الفعال للقرارات الاقتصادية على الأجواء السياسية , والعكس صحيح .
إن معالجة العجز في الموازنة كعنوان للمشكلة الإقتصادية تبدأ بالإعتراف بخطره أولا , وإتخاذ القرار المناسب على قاعدة الشفافية والمصارحة بعيدا عن حسابات الشعبية , فاذا كان حل مشكلة العجز يتم بإرجاء معالجة الإختلالات الضرورية تحت وطأة الضغوط الشعبية , فبإمكاننا أن نطمئن ولا نقلق لأن الهروب من المشكلة أو ترحيلها أسهل الحلول لكن من سيدفع الثمن ؟ بالتأكيد الإقتصاد والأجيال القادمة .
المصارحة تقتضي القول أننا لانزال نواجه المشكلة الإقتصادية بأسلحة متواضعة مثل ضبط التعيينات وتقليص الإنفاق الرأسمالي بمعنى أن المعالجة لا تزال موضعية لا تؤشر على رؤية إقتصادية شمولية وخطة اقتصادية محددة تبتكر الحلول وتعزز البيئة الاستثمارية بإستغلال الفرصة .
ثمة فرص كبيرة يجب أن تبادر الحكومة والقطاع الخاص الى إغتنامها , أولها إستثمار جهود جلالة الملك , مع الدول الصديقة والشقيقة التي تقدر حجم التحديات الإقتصادية التي تواجه المملكة ولديها رغبة أكيدة في دعم الإقتصاد الوطني وجل ما تحتاج اليه هو مبادرات واقعية تحفزها على إتخاذ الخطوة في هذا الخصوص .. هناك حاجة لإستثمار الإنفتاح غير المسبوق مع دول الخليج العربي الذي توج بالموافقة على طلب إنضمام الأردن لمجلس تعاونها , مع توفر القناعة بمساندة الأردن إقتصاديا , هناك حاجة لإستثمار الفرص المتمثلة في تشكل الثروة التي يوفرها فائض النفط والباحثة عن بيئات آمنة للإستثمار في ظل أوضاع سياسية متفجرة في المنطقة , وكل ما يقتضيه الأمر هو مد الجسور وتسيير وفود التسويق والترويج للبناء على اللبنة التي أرساها جلالة الملك بعلاقاته المتميزة مع قادة تلك الدول .
إن أي خطة إقتصادية حكومية جادة يجب أن تعكس قناعة الحكومة بأن الملف الإقتصادي لا يقل أهمية عن غيره وأن للقطاع الخاص المحلي والعربي والدولي دور أساسي في مواجهة التحديات الإقتصادية في بلد ثروته الفريدة والوحيدة هي القوى البشرية .
المفضلات