بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
قبض العلم وظهور الجهل:
من علامات الساعة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم : قبض العلم وظهور الجهل ، فعن أبي موسى وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل ، ويرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج ، والهرج : القتل » رواه البخاري .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويثبت الجهل ، ويشرب الخمر ، ويظهر الزنا » رواه البخاري .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يتقارب الزمان ، وينقص العمل ، ويلقى الشح ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج ، قالوا : يا رسول الله ، أيم هو ؟ ، قال : القتل القتل » رواه البخاري .
قال ابن العربي أبو بكر محمد بن عبد الله المعافري الإشمبيلي ، المالكي المعروف بابن العربي ، من حفاظ الحديث قال : " وأما ذهاب العلم ، قال المشيخة : فيكون بوجوده ، إما بمحوه من القلوب ، وقد كان في الذين قبلنا ، ثم عصم هذه الأمة ، فذهاب العلم منها بموت العلماء ، وقد قال جماعة من الناس : إن ذهاب العلم يكون أيضا بذهاب العمل به ، فيحفظون القرآن ولا يعملون به فيذهب العلم . . . والذي عندي أن الوجوه الثلاثة في هذه الأمة ، فقد يذنب الرجل حتى يذهب ذنبه علمه ، وقد يقرؤه ولا يعمل به ، وقد يقبض بعلمه فلا ينتفع أحد به ، أو يمنع من بثه فيذهب لوقته " عارضة الأحوذي ( 10 / 121 ) .
وقال القرطبي أثناء شرحه لحديث : « إن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل » : وأما قلة العلم وكثرة الجهل فذلك شائع في جميع البلاد ذائع ، أعني برفع العلم وقلته : ترك العمل به التذكرة ص ( 748 - 749 ) .
وقال ابن حجر : قيل : إن المراد نقص علم كل عالم بأن يطرأ عليه النسيان مثلا ، وقيل : نقص العلم بموت أهله ، فكلما مات عالم ولم يخلفه غيره نقص العلم من تلك البلد . فتح الباري ( 13 / 17 ) .
وقد ورد ما يدل على أن المراد برفع العلم وكثرة الجهل : موت العلماء فلا يبقى إلا الجهال الذين يتخذهم الناس رؤساء فيضلوا ويضلوا غيرهم ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا » رواه البخاري ومسلم .وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : « لما كان في حجة الوداع ؛ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مردف الفضل بن عباس على جمل آدم ، فقال : " يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم وقبل أن يرفع العلم " ، وقد كان أنزل الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } سورة المائدة ، الآية : 101 . قال : فكنا قد كرهنا كثيرا من مسألته واتقينا ذلك حين أنزل الله ذلك على نبيه صلى الله عليه وسلم . قال : فأتينا أعرابيا ، فرشوناه بردا ، فاعتم به ، حتى رأيت حاشيته خارجة من حاجبه الأيمن ، قال : ثم قلنا له : سل النبي صلى الله عليه وسلم . فقال له : يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف ، وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا ؟ قال : فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة من الغضب ، قال : فقال : " أي ثكلتك أمك ، هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف ، لم يصبحوا يتعلقون منها بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم ، ألا وأن من ذهاب العلم أن يذهب حملته ( ثلاث مرات ) » . صحيح ، المشكاة ( 245 و 277 ) .
يقول الحافظ النووي أثناء شرحه لحديث عبد الله بن عمرو السابق : " هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس محوه من صدور حفاظه ولكن معناه : أن يموت حملته ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالتهم فيضلون ويضلون " روا مسلم .
وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في زمان من قبل فكيف بزماننا ، قال ابن بطال : " وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل ، وألقي الشح في القلوب وعمت الفتن وكثر القتل " فتح الباري لابن حجر : ( 13 / 16 ) . من أجل هذا حث السلف على طلب العلم ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : « عليكم بالعلم قبل أن يقبض ، وقبضه ذهاب أهله ، وعليكم بالعمل ، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه ، وعليكم بالعلم ، وإياكم والتنطع والتعمق ، وعليكم بالعتيق » . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : « ما لي أرى علماءكم يذهبون ، وجهالكم لا يتعلمون ، فتعلموا قبل أن يرفع العلم ، فإن رفع العلم ذهاب العلماء » . وقد ظهر مصداق هذا كله في زماننا ولم يبق العلم إلا في أناس قليل .
فحسبنا الله ونعم الوكيل .
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع خطاه .
من كتاب أشراط الساعة ـــ عبد الله بن سليمان الغفيلي
المفضلات