في رحاب مدينة دار السلام , عاصمة الأسلام , في وسطها قصر قد طاول السماء , كأن إليها يريد
الأرتقاء , كان أمير المؤمنين هارون الرشيد في مجلسه المعتاد اللذي لم يخلوا من العلماء أو
الشعراء , و بينما هم يتحاورون و يتناقشون , أذ حدث امرٌ عجيب , ما رأوه قط فهو غريب , فقد
ظهر في ساحة مجلسه ضوءاً كأنها الشمس قد حلت بينهم , و خرج منها شابٌ أسود اللبس أبيض
البشرة , متوسط القامة , حليق اللحية قصير الشعر , فوقف بين يدي هارون و ألقى السلام , فما
زالت عنهم الدهشة التي ملكتهم , و سل أحد الحراس سيفه و قال : أني أظنه الشيطان قد حل بيننا
فهيا عليه لنقتله , فقال له الرشيد : مه يا أبى عثمان , فما أظنه الشيطان فقد ألقى السلام لنا و
علينا رده , فرد عليه السلام , وسأله الرشيد : ما حاجتك بيننا يا غريب , قال الشاب : أصلح الله ا
لأمير , فأنا أدعى بأحمد بن كنعان , أسافر عبر الأزمان , و أحل في كل الأوطان , أتيتكم من زمن
كثر فيه الشنارِ , وطغى فيه الأشرارِ , وتطاولت فيك ايادي البهتان , وقصرت عنك ايادي البرهان,
زماني طفح فيه سيل العار , وما بقي أي شرف يعار , و أي شرف لنا بعدما ابتعدنا عن ديننا , و ل
هثنا خلف دنيانا , لا تدري كيف هي أحوالنا , استباح الصليب أوطاني , و أخوتي في تيهانِ , نموت
كل يوم بالعشرات , و لا يموت منهم إلا الآحاد , يا أمير أتيتك من زماني , بعدما علمت أنك افضل
الحكام , كنت تنفق من صلب مالك الكثير , و تحج دوماً بالناس , و تنفق لهم من الخيرات , علمت
كيف أهلكت البرامكة , بعدما عاثوا في الديار , و كيف رددت على رأس الصليب بالكلب , بعدما
هددك , و نحن هيهات لننطق بالحرف فما بال الكلمة , يا سيدي هارون حرماتنا انتهكت , وبلادنا
هدمت , أخواننا يموتون , و نحن نائمون , يا سيدي قد اذلنا اليهود , و دمرنا النصارى , يا سيدي
سبوا النساء و قتلوا الأطفال , و دمروا المساجد , و أبدلوها بالكنائس , احرق القرآن , و أستباحوا
عرض خير أنسان , يا سيدي أرجوك ان تأتي معي فنحن في حاجتك , بعدما أنتهى الشاب من حديثه
, بكى هارون الرشيد حتى شهق , و ابكى من حوله , فلما انتهى قال للشاب : يا بني , لقد ولدت في
هذا الزمان و أنا اسعى جاهداً في بذل قصارى جهدي لرفع راية الأسلام , فأن تركت حكمي لتقاتلى
عليه هاذان الأثنان (و أشار على الأمين و المأمون) , فعلي واجبات أقوم بها , فأنت تعلم بلاد ا
لصائفة ليس لها أمان , و دولتي كل يوم بها خروج و فتنة , و أنا احاول جاهداً في ابقائها على حالها
, فلا أقدر أن آتي معك , و انصحك بالتقوى , و ايقاظ الغافل , و تعليم الجاهل , وتنشيط العلماء , و
نصح السادات , فحالكم قد قطع قلبي , ولكن أنتم من جلبه لأنفسكم , نسيتوا الله فأنساكم أنفسكم ,
فالله حاشاه أن يكون ظالماً , فأبحث عن الخلل اللذي فيكم و أنظر فيه و ابدأ في أصلاحه , وعليك ب
كتاب الله و سنة رسوله , وبينما هارون خائض في حديثه , أذ أخرج الشاب شيئا ما من جيبه , و
رفعه و قال : حسناً انا عائد الآن الى زماني , قد علمت أين نقصاني , ويجب أن امحي هذه اللحظة
من ذاكرتكم , و أضاء الشيء اللذي في يده حتى بعث بأشعاعات على رأس كل حاضر و بقيت عليه
برهة من الزمن , فلما انتهى كانوا نائمين , حينها قال الشاب و كأنه يحادث نفسه : أفتحي يا بوابة ا
لأزمان , وظهر ذلك الضوء مرة أخرى و دخله الشاب و اختفى , و استيقظ كل من كان في المجلس
و قال هارون : لقد غلبنا النعاس , هيا كلُ ُ الى داره هيا , فأنتفض المجلس عن أهله و كأن شيئاً لم
يكن .
القصص التي مثل هذه لا تهم اذا كانت خيال ام حدث صار في الماضي وانتهى
بقدر ما يهم المغزى او الحكمه التي انشئت من اجلها القصه والكاتب اراد ان يبين لنا ما هو العلاج للوضع الذين نحن فيه
عندما قال على لسان هارون الرشيد : انصحك بالتقوى , و ايقاظ الغافل , و تعليم .. الخ )
المفضلات