الحياة مسرح .. في زمن تبادل الأقنعة!
تالا أيوب
عيناه مدمعتان ، معنوياته منهارة، وقلبه جريح ، يضع المستحضرات التجميلية على وجهه ليرسم عينين فرحتين ، وفم سعيد جداً ، وها هو يضع أنف أحمر كبير مستدير، وشعر ملون اصطناعي ، ليصبح هذا كله قناعاً يخفي به مشاعره الحقيقة، فقد حان وقت فقرته ليُسعد الناس ويسرّب الفرح والابتهال لقلوبهم انه ذلك «المهرج» الحزين المضحِّك.
ليس هو فقط من يضع قناعاً بل الكثيرين، سواء أكان لاخفاء المشاعر الايجابية أو السلبية، «أبواب- الرأي» التقت مجموعة من الناس ليوضحوا لها سبب ارتداء القناع في حياتهم اليومية.
اخفاء المشاعر الحقيقية السلبية
فسرت «عبير» ، سبب وضعها للقناع : «أنا اضطر في بعض الأحيان لأن ارتدي القناع لكي أخفي مشاعري الحقيقية السلبية أمام الآخرين كنوبات الحزن والالم التي تنتابني، فهذه المشاعر ان ظهرت ستتسرب اليهم فيتأثرون بحالتي ويصبحون مثلي حزينين ومتألمين.
وقالت : ارتديه عندما اضطر لمقابلة أشخاص غير محببين الى قلبي سواء أكانوا من المعارف أو من المسؤولين والمدراء ولكني مجبرةً على تحملهم والتعامل معهم من باب المجاملة أو المصلحة».
وتابعت: «وبالرغم من كل هذه المحاولات لاخفاء المشاعر الا ان تعابير وجهي تخونني وبالتالي يظهر ما أشعر به بوضوح تام، فأنا أعتبر هذه الاقنعة فاشلة».
المواقف الانسانية
«زياد» شاب اخر قال عن الاقنعة : «بالرغم من أنني لا أجيد التمثيل الا أنني أرتديه في المواقف الانسانية، فعندما أذهب لزيارة مريض ولا أريد اظهار مشاعري الحقيقة أمامه ايماناً مني بتأثير الحالة النفسية على المريض والتي تعد من أهم مقومات شفائه ونجاح علاجه. ففي يوم من الأيام قمت بزيارة مريض وكنت ميقناً بأنها ستكون الزيارة الأخيرة له لأن وضعه الصحي كان رديئاً، عندئذٍ ارتديت القناع وتكلمت معه كثيراً عن الأمور التي يحبها وعن ما الذي سيعملانه سوياً بعد الشفاء بالرغم من شعوري بأنه سيفارق الحياة».
وأضاف: «ومن الممكن ارتداء الاقنعة لاضفاء روح الدعابة وخفة الظل حينما نقوم بمقالب بالأصدقاء والمعارف».
..و «كلما زادت ضغوطات الحياة زادت فرص ارتداءنا للأقنعة».
مرغم على لبس القناع
وفسرت «سعاد»: « نرتدي القناع رغماً عنا حينما نكون مؤتمنين على سر وليس بإمكاننا إفشاؤه، فالأمر ليس متعلقاً بنا، ففي ذلك الوقت يكون الجواب دبلوماسياً».
ووضحت «رنيم»: « من الممكن وضع قناعاً حينما يحصل موقف معين مع شخص ولا يريد بأن يعلمه أحد وأنا قد علمته فوقتها أرتدي القناع كي لا أغضبه بمعرفتي للموضوع الذي يخفيه».
وبين «راشد»: «ارتديه أحياناً منعاً للاحراج حينما يأسلني شخص ما عن رأيي به ويكون رأيي ليس ايجابياً فعندها أضطر للباسه «تمشاية حال»».
كذب وليس قناع
أما «تامر» قد خالفهم الرأي قائلاً: «ان هذا كله يعد كذباً وليس مبرراً أبداً».
أما فيما يخص «فرح» عبرت: «في الماضي ارتديته كثيراً كي لا أظهر ما أشعر به ولكني الآن لم أعد أحتمل ارتدائه، فيجب أن يتقبلني الناس كما أنا، فلن أتقنَّع بعد الآن».
تمرير الأفكار والمواقف
المستشار في شؤون التربية وخبير مناهج الدكتور «قيمر القيمري» عرّف ثقافة «القناع» قائلاً: «انها من الثقافات الموجودة في مسرح الحياة وانها ثقافة تمرير الأفكار والمواقف والمبادئ التي يرغب بعض الأفراد تمريرها وتسويقها لدى فرد آخر أو لدى أفراد ومؤسسات أخرى بهدف تحقيق غايات خاصة غير مرغوب فيها، فبدلاً من تقويمها يلجأون الى لبس الأقنعة لتمريرها حرصاً منهم على اخفاء الحقائق».
غايات لبس الأقنعة
أما عن غايات لبس الأقنعة من وجهة نظر «القيمري» أجاب: «هي كثيرة أهمها عند البعض عادة لتجميل الأفواه والملامح وخداع وتضليل الآخرين واخفاء الحقائق بالاضافة الى البحث عن خصوصيات الآخرين، وتقليد وتقمص شخصية ما، كما الرغبة في الظهور أمام المجتمع بموقف الأقوياء وأصحاب النفوذ والسلطة»
كما أشار الى : «ان نواتج لبس الأقنعة خطيرة منها انعدام الطيب بين الناس وضياع الحقائق وفقدان الثقة في التعاملات ولذلك فإن عقاب لابسيها يوم القيامة عسير على أصحابها».
ننحني ونقبِّل أقنعتهم
«القيمري» عن من يلجأون الى لبس القناع بحق قائلاً: «يجب أن ننحني اليهم تقديراً واحتراماً وحباً، بل يجب أن نقبّل أقنعتهم فإنهم الآباء والأمهات الذين يحفظون آلامهم وأوجاعهم أمام أبنائهم ويظهرون بابتسامات واسعة عريضة حتى يظل الأبناء سعداء .
وتابع: «انهم الأمهات الذين يخفون آلامهم لأزواجهم وتستقبل الأبناء والزوج بابتسامة رائعة رغم ضنك الحياة عليها، بالاضافة الى المعلمات والمعلمون الذين يلبسون قناع الصبر والوفاء أمام تلاميذهم في قاعات الصف والدراسة رغم معاناتهم في البيت وفي الحياة».
وأضاف: «الأسر الفقيرة التي تخفي آلام الفقر والعَوز والحاجة وتظهر بقناع القناعة والعفاف والتعفف».
وأنهى حديثه معبراً: الى كل هؤلاء نخلع قبعاتنا تقديراً واحتراماً لهم وهذا يعني ان الحب والحقيقة لا يضيعان في مسرح الحياة في زمن لبس الأقنعة وان من يلبس قناع الحرباء لن يُخدع به الناس طويلاً كما أن جميع الشرائع السماوية نهت عن لبس الأقنعة .
المفضلات