محاصرة حقوق المرأة في تونس
حققت المرأة التونسية تقدما كبيرا في الحفاظ على مكاسبهن، لكن يرى الكثيرون أن هناك توجها عكسيا.
جمال عرفاوي من تونس لمغاربية – 07/01/11
النشطاء الحقوقيون في تونس قلقون بشأن تراجع محتمل في حقوق المرأة.
بعد أكثر من نصف قرن على صدور مجلة الأحوال الشخصية التي منحت النساء حرية تضعهن على قدم المساوة مع الرجل، تجتاح اليوم جملة من الشكوك شرائح كثيرة في المجتمع التونسي حول إمكانية صمود هذه المكتسبات.
وحسب بشرى بلحاج حميدة المحامية والناشطة النسوية "رغم ما تتحصل عليه النساء من مكاسب تشريعية متتالية منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، فإن الوضع العام بالبلاد وفي المنطقة أن هذه المكاسب مهددة وذلك لعدة أسباب ومن قبل عدة أطراف بما في ذلك الدولة نفسها".
وهناك زيادة ملحوظة للالتزام الديني مما أحدث انقساما في صفوف المراقبين حول أبعاد هذا التحول. فالبعض يعزو ذلك إلى عودة الوعي الديني فيما يعتبر آخرون ذلك موضة أو رد فعل اجتماعي أو ثقافي.
ففي مطلع شهر ديسبمبر، أطلقت مجموعة من الشابات والشبان دعوة لتقنين الزواج العرفي. وقد وجدت هذه الدعوة استجابة سريعة لدى الكثير من التونسييين والتونسيات، في وقت تخوض فيه مجموعة من المدافعين عن الحريات معركة شرسة من أجل محاكمة مغني الراب بسيكو م الذي ينتقد من خلال أغانيه ما جاء في مجلة الأحوال الشخصية وينتقد أفكار الباحثة في القضايا الإسلامية أالفة يوسف والممثلة سوسن معالج وكذلك المخرج السينمائي النوري بوزيد.
وقالت بلحاج "إن المرحلة التي تمر بها قضية حقوق النساء في بلادنا وفي المنطقة العربية تكاد تكون مصيرية بل حاسمة لمستقبل النساء بل لمستقبل المجتمع كاملا لأن مسألة المساواة بين الجنسين هي قضية محورية بمعنى أن أي مشروع سياسي يتضمن حتما موقفا من هذه المسألة".
وأضافت "فالموقف من قضية المساواة بين الجنسين هي معيار "إنساني" وعدالة وتقدمية المشروع السياسي أو المجتمعي أو الثقافي".
أما سامي إبراهم المتخصص في الفكر الإسلامي فيذهب للقول بأن مكاسب المرأة اليوم موثّقة ضمن مدوّنة المنظومة الدّوليّة لحقوق الإنسان والعالم يتّجه شيئا فشيئا لتعميمها وإقرارها "لكن مع ذلك هناك أخطار تتهدّد هذه الحقوق والمكاسب. ولعلّ أخطر وأقصى ما يتهدّد هذه المكاسب، يضيف سامي إبراهم "هو انتهاك الكرامة الإنسانيّة للمرأة والعودة من جديد إلى تشييئها واختزال كيانها في الجسد باعتباره أداة للتسويق البضائعي".
سامي يقول إنه لا يرى فرقا "بين اعتبار جسد المرأة حصنا للدّفاع عن الهويّة أو اعتباره قلعة لحماية الحداثة. ففي الحالة الأولى مثلا يدعو المهووسون بالعذريّة إلى الاستماتة في الحفاظ على شرف القبيلة من خلال الحفاظ على غشاء البكارة... وفي المقابل يتنادى دعاة الحداثة إلى نزع هذا الغشاء باعتباره حاجزا أمام المساواة والحريّة". وفي كلتا الحالتين تُسقط آثار الهوس الإيديولوجي والأوهام السياسية على جسد المرأة تحت عنوان الطّهرانيّة في الحالة الأولى وتحت عنوان الليبيراليّة في الحالة الثّانية.
ففي الأسر التونسية العادية، النساء تفضل الابن على حساب البنت "فالذكر أهم" حسب خميس الخياطي العضو المؤسس للجمعية التونسية للدفاع عن اللائكية.
وقال الخياطي الذي لم تحصل جمعيته بعد على ترخيص حكومي بالنشاط "العائلة تترك الحرية أكثر للذكر على حساب الأنثى كما أن للقنوات الخليجية دور فيما يحصل من تحولات سلبية في المجتمع التونسي" كالمسلسلات الشرقية التي تبثها القنوات المحلية، مضيفا "البارحة، أفتى أحدهم بأن الرياضة تفسد جسم البنات".
أما الناشطة النسوية والأستاذة درة حرار فتتهم المشروع الثقافي والإعلام والتعليم، وتدعو حرار لحماية مكاسب المرأة إلى "ضرورة نشر ثقافة منفتحة تؤمن بقيم الإنسانية وثقافة الحرية".
أما نور فلها رأي آخر إذ تقول إن "ما يعتبره البعض "مكسبا" قد يراه البعض الآخر "مأزقا" لا بد من التخلص منه... أبرز مثال عن هذا الأمر هو قانون تعدد الزوجات. قد تعتبره فئة من النساء مكسبا لها إذ يكفل هذا القانون لها عدم زواج قرينها عليها بامرأة أخرى، على الأقل بصورة قانونية... وفئة أخرى قد ترى في منع تعدد الزوجات عائقا أمام زواجها من رجل متزوج أحبته، أو زواجها من رجل متزوج قادر ماديا أن يؤمن لها حياة مترفة".
متعلقات
ويعبتر الخياطي أن المرأة "هي المسؤول الأول عن الحفاظ على مكاسبها أو ضياعها" ويحمل الدولة أيضا المسؤولية "الدولة التي لم تنصص على مجلة الأحوال الشخصية في الدستور لغلق الباب مرة واحدة أمام من يريد التراجع".
وحسب بشرى بلحاج حميدة، فإن الدولة التونسية "لم تنجح في تثبيت الحقوق الإنسانية للنساء والتوجه نحو إرساء مجتمع قائم على المساواة والقيم الإنسانية الثابتة"، وبهذا تصبح "شريكا في عملية التراجع".
وتساءلت "كيف يمكن بناء مجتمع متوازن وحر دون إعطاء الفرد مكانته الكاملة؟"
أما سامي إبراهم فيرى أنه "لا حفاظ على المكاسب حسب تقديرنا بدون ترسيخ قيم المواطنة والحريّة والمساواة في الحقوق والواجبات والكرامة الإنسانيّة".
المفضلات