تابــــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة الحشر
الاعتبار من ما جرى لليهود:
وقد دعا الله المؤمنين إلى الاعتبار من الحادثة، واستخلاص دروسها وعبرها: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ).
ومن التدبر والاعتبار تعميم حادثة إجلاء يهود بني النضير على الحالات المشابهة للكفار، والنظر إلى نهايات الكفار الآخرين من خلالها، ولذلك نعتبر هذه الآيات وعداً قرآنياً بإهلاك الكفار الأعداء، على اختلاف الزمان والمكان، وقد تحقق هذا الوعد القرآني في نماذج وأمثلة عديدة للكفار، على مدار التاريخ الإسلامي!.
من وجوه الشبه بين بني النضير ومن بعدهم:
ومن وجوه الشبه بين ما جرى ليهود بني النضبر وبين من جاء بعدهم من الكفار الأعداء:
1- قوة بني النضير ومناعة حصونهم، بحيث كان الصحابة يفكرون في كيفية خروجهم وإخراجهم، وهي التي خاطب الله بها المسلمين بقوله: (مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا).
وقد جاء كفار آخرون بعد بني النضير، ملكوا الكثير من مظاهر القوة والمنعة، بحيث كان المسلمون يفكرون في كيفية هزيمتهم، وإضعاف قوتهم والقضاء عليهم، وكانوا يعلمون بعجزهم عن مواجهتهم.
وقد أُزيلت قوى كافرة في العصر الحديث، ما كان المسلمون يتوقعون إزالتها، كالإمبراطورية البريطانية والألمانية والفرنسية والاتحاد السوفياتي، وكهزيمة اليهود، واضطرارهم للانسحاب من جنوب لبنان ([1])!.
2- اعتمد بنو النضير على قوتهم ومناعة حصونهم، وأيقنوا أنها ستحميهم وتدفع عنهم كل خطر، حتى لو كان عذاباً من الله: (وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ).
وهكذا الكفار في كل زمان ومكان، يُعجبون بقوتهم وقدرتهم، ويفاخرون بها، ويعتمدون عليها، ويوقنون أنها ستحميهم وتدفع عنهم.. وفي اللحظة الحرجة التي يحتاجون إليها فيها لا يجدون عندها ما يريدون! فيقعون مكشوفين أمام أمر الله وعذابه.
وكم أُعجب الكفار المعاصرون بقوتهم، ولكنها تحطمت وقت حاجتهم إليها، فانهزموا وخسروا وهلكوا. لم تنفع هتلر قوته العظمى، فانهزم ودُمّرت ألمانية النازية التي أنشأها. ولم تنفع الاتحاد السوفياتي قوته العظمى أمام مجاهدي أفغانستان!.
3- أتى عذاب الله إلى يهود بني النضير من حيث لم يحتسبوا ولم يتوقعوا، لقد أَمِنوا مكر الله فخابوا وخسروا.
وقد ذم الله الذين أمنوا مكره، قال تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ، أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 97-99].
إن الله هو الذي يحارب أعداءه الكافرين، في كل زمان ومكان، ويختار لهم من آياته وجنوده ما يشاء، وفق حكمته وعلمه، فهو العليم الحكيم، ولذلك يفاجئهم سبحانه بأحداث لا يتوقعونها، ولا يستعدون لها، فتقضي عليهم.
4- السلاح الذي فاجأ الله به يهود بني النضير هو الرعب، الذي قذفه في قلوبهم، فقضى على معنوياتهم وعزائمهم وإراداتهم، واضطروا إلى الاستسلام، والنزول على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا يدل على أهمية الإرادة والعزيمة والمعنويات العالية في المعركة، والأسلحة وحدها لا تنفع، مهما كانت قوية فتاكة، والاعتبار الأول لليد التي تحملها، والأعصاب التي تسيّرها وتوجّهها.
5- تُعلِّل الآيات ما جرى ليهود بني النضير، بأن سببه هو أنهم شاقوا الله ورسوله، وتقرر الآية أن كل من شاق الله ورسوله فهو خاسر هالك: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
وهذا وعد من الله بهزيمة وخسارة كل من شاقّه، وحارب دينه، من الكفار، على اختلاف الزمان والمكان، وقد حقق الله هذا الوعد، وأوقع سنته في الكفار السابقين على الإسلام، والكفار المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم، والكفار الذين حاربوا الإسلام فيما بعد.. وهذا الوعد الصادق سيتحقق في كفار هذا الزمان!.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات