السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شهد العصر الحديث طفرة كبيرة في زيادة معدلات الإصابة بأمراض القولون، وباتت أمراض القولون في مقدم الأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي. وإذا كان للقولون بصفة عامة، نصيب الأسد من الأمراض والمشكلات التي تصيب الجهاز الهضمي، فإن لمرض القولون العصبي الانتشار الأكثر والأعم من باقي أمراض القولون، ولا عجب فالشكوى من القولون العصبي تشكل أكثر من 05% من كل شكاوي الجهاز الهضمي مجتمعة.
يصيب القولون العصبي الشباب وصغار السن لتبقى الإصابة به وتستمر بعد ذلك في سن النضوج والكهولة حتى آخر العمر. وهو مرض شائع، ويغطي كل طبقات المجتمع في كافة أنحاء العالم، ومعظم المصابين به أصبحوا يتعايشون معه ويصير جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. ويعرف القولون العصبي بأنه اضطراب في وظيفة القولون دون وجود سبب أو مرض عضوي واضح. ويظهر هذا الاضطراب عادة على هيئة آلام متفاوتة بالبطن مصحوبة بشعور بالإمتلاء والانتفاخ مع اضطراب في عملية الإخراج في صورة إسهال أو إمساك أو كليهما. وقد تحدث أخطاء كثيرة في تشخيص القولون العصبي، يتسبب عنها استئصال المرارة أو الزائدة الدودية مثلا دونما داع لذلك. كما تختلط الإصابة به بأعراض الإصابة بأمراض أخرى مثل قرحة المعدة والإثنى عشر والذبحة الصدرية والآلام الروماتيزمية في البطن أو الصدر وأمراض الكلى.. إلخ.
أسباب القولون العصبي: أولا: التوتر والقلق النفسي والاكتئاب: إذ يؤدي ذلك إلى خلل في شبكة الأعصاب الاإرادية المغذية للقولون، وتكون نتيجة لذلك اضطرابا في حركة القولون وخللا في وظيفته، ومن ثم تحدث الإصابة بالقولون العصبي. وليس من شك أن علاقة الأسباب النفسية بالمرض واضحة ومؤكدة، وهي التي أعطته لقب القولون العصبي. ثانيا: ثمة بعض الأطعمة التي يمكن أن يؤدي تناولها إلى حدوث أعراض القولون العصبي والبقولويات كالفول والعدس واللوبيا، وبعض الفاكهة مثل الجوافة والتفاح والكمثرى. هذا فضلا عن القهوة والشاي والمثلجات والمياه الغازية والأطعمة المطبوخة والأطعمة الحريفة... ومن هنا يتضح أن كثرة تناول الأطعمة الغنية بالألياف يمكن أن يؤدي إلى حدوث أعراض القولون العصبي. ثالثا: إصابة القولون بأمراض بكتيريا أو طفيلية وخاصة الحميات المعوية والدوسنتاريا والبلهارسيا. فمثل هذه الإصابات - رغم شفائها - تطلق نوعا من الخلل الوظيفي في أعصاب وعضلات القناة الهضمية يصعب استعادة توازنه، خاصة إذ استقر على خلفية من التوتر العصبي.
أعراض القولون العصبي: ثمة ثلاث شكاوي مشهورة لمريض القولون العصبي هي: أولا: آلام بالبطن: ويتفاوت الألم في شدته من مجرد الشعور بالضيق إلى ألم شديد بالبطن، يصيب أي جزء من البطن، ويغلب أن يكون في أسفل البطن خاصة في الجانب الأيسر. وألم القولون قد يعقب تناول الطعام، وكثيرا ما تزول متاعبه بعد التبرز أو خروج ريح، والبعض الآخر يزداد ألمه عقب التبرز. ثانيا: اضطراب عملية الإخراج: يشكو مرضى القولون العصبي من اضطرابات في عملية الإخراج فهناك من يغلب عليه الإمساك، وآخر يغلب عليه الإسهال، أو تحدث نوبات غير منتظمة ما بين الإمساك والإسهال، مع كثرة إفراز المخاط الأبيض، ويكون الإمساك شبه مستمر، ويكون الإسهال نهاريا فقط، وكلاهما مصحوب بتقلصات في البطن بدرجات متفاوتة، ويصيب الإمساك السيدات أكثر من الرجال. ويلاحظ أن الإسهال عبارة عن لهفة واستعجال في خروج محتوياته، وغالبا ما تكون هذه اللهفة وكثرة التردد على المرحاض عند الاستيقاظ في الصباح. وبعض المرضى لا يشعر أبدا بالرضا عقب إفراغ محتويات القولون ويشعر أنه بحاجة إلى دخول المرحاض مرة ثانية وثالثة. ثالثا: الانتفاخ والغازات: كثيرا ما يشكو المريض من الشعور بالامتلاء وسماع أصوات بالبطن )قرقرة( وخروج ريح وانتفاخ وضيق أسفل الضلوع اليسرى للبطن. ونظرا لأن القولون يشغل حيزا كبيرا من البطن، لذا فإن أعراضه منتشرة في أجزاء كبيرة، فقد تظهر في أعلى البطن فيظن المريض أنه مصاب بالقلب أو الطحال. وقد يظهر الانتفاخ والألم في الجانب الأيمن العلوي للبطن فيتوهم المريض أنه مصاب بالكبد أو المرارة. وقد تظهر أعراض القولون أسفل البطن في الجهة اليمنى فيظن المريض أنه مصاب بالتهاب الزائدة الدودية أو إلتهاب بالمبيض في السيدات... إلخ.
طرق علاج القولون العصبي: 1- يجب على المريض تفهم طبيعة مرضه، وهو أنه مرض وظيفي بحت، وأنه لا خطر منه، وأنه أساسا مرض نسببه لأنفسنا دون قصد منا. 2- ضرورة وجود علاقة تفاهم وتعاطف بين الطبيب ومريضه، أساسها الوضوح والتشجيع والثقة... وعلى الطبيب أن يشرح لمريضه أسباب مرضه، وكيف نشأت أعراضه، وكيف يمكن أن يتخلص منه. وجزء أساسي في مهمة الطبيب المعالج أن يؤكد لمريضه ضرورة القيام بالفحوص اللازمة من أشعة ومناظير وتحاليل معملية بهدف معرفة أن الأمعاء سليمة وبريئة من أي مرض عضوي، وأن المشكل هي اضطراب وظيفي يمكن تصحيحه. وأن هذا التصحيح رهن بالمريض نفسه إلى حد كبير. 3- الأطعمة مثل: اللبن والبقول وبعض الخضروات والفاكهة والتوابل والمواد الحريفة... وكل هذه الأغذية لا حل لها سوى تجنبها. 4- بعض حالات القلق المصاحبة بالاكتئاب، ينصح لها بالعرض على طبيب متخصص في الصحة النفسية، وإن كان الكثير يفضلون البقاء تحت إشراف طبيبهم الذي يستريحون إليه. 5- لا ينصح بالإفراط في تناول الأدوية الخاصة بعلاج القولون العصبي إلا في حالات الضرورة القصوى وذلك لتقليل أعراض المرض الشديدة. ففي حالات )الإمساك( ينصح بتناول )الردة( البلدي المتوفرة في المخابز والمطاحن بواقع ملعقة كبيرة 3 مرات يوميا. أو تناول أقراص الردة المتوفرة في الصيدليات مثل )البران(. وتساعد الردة )قشور غلال مطحونة( على تنظيم حركة القولون والتخلص من الفضلات. ولا ينصح هنا بإستعمال الأقراص الملينة أو المسهلة وخاصة العنيفة منها. وفي حالة )الإسهال(، فعادة ما يشفى دون أدوية، وذلك بتناول سوائل كثيرة أو شوربة خضار. وأحيانا نضطر إلى استعمال الأدوية التي تقلل منه مثل البكتين والكاولين. وفي حالة )تقلص الأمعاء( ننصح بتناول الأدوية الطاردة للغازات مثل مركبات السليكون أو زيت النعناع أو الفحم )الكربون(... إلخ. وهناك أدوية مركبة لعلاج القولون العصبي تجمع بين مانع لتقلص الأمعاء ومجموعة من إنزيمات الهضم ومعها أيضا طارد للغازات، أو تجمع بين مانع للتقلص ومعه مهدئ أو مطمئن للقلق... ويمكن اللجوء إلى هذه الأدوية عند الضرورة وتحت إشراف الطبيب المعالج.
يتبع الموضوع
المفضلات