من أجمل آيات القرآن - وكل آيات القرآن جميلة -
اخترت هذه المجموعة من الآيات
من كتاب
تقريب القرآن إلى الأذهان
أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بها
بسم الله الرحمن الرحيم
"مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ
* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ
يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يكَادُ الْبَرْقُ
يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَذَهَب
بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "
((مَثَلُهُمْ)) أي مثل هؤلاء المنافقين
((كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً)) استوقد بمعنى أوقد، أو بمعنى طلب الوقود الذي هو الحطب ونحوه، والمعنى أشعل ناراً ليستضيء ويدفأ بها،
((فَلَمَّا أَضَاءتْ)) النار ((مَا حَوْلَهُ)) وانتفع بها
((ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ)) بأن أرسل ريحاً فأطفأها، ((وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ)) ما حولهم، وإنما كان هذا مثلا لهم، لأن المنافق بإيمانه الظاهري يعبّد لنفسه سبيل الحياة، وينور طريقه - فإن الإيمان نور وسبب لهداية الإنسان إلى الحق والعدل والخير –
فإذا قبض الله أرواحهم تركهم كسائر الكفار في نار وعذاب حين يقبض الله أرواح المؤمنين إلى نور أوسع ورحمة أكبر...
فهؤلاء المنافقون:
((صُمٌّ)) جمع أصم، لأنهم لا ينتفعون بالحق، فهم والأصم سواء
((بُكْمٌ)) جمع أبكم، وهو الأخرس، لأنهم لا يقولون الحق فهم والأبكم سواء
((عُمْيٌ)) جمع أعمى، لأنهم لا يبصرون الحق، فهم والأعمى سواء
((فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)) عن غيهم وضلالهم، و"ف" للإشارة إلى أنهم حيث صموا وأبكموا وعموا لم يرج فيهم الخير، فإنه (لا يسمع الصم الدعاء).
((أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء)) مثال آخر لحال المنافقين، والفرق بين المثالين أن المثال الأول كان مثالاً للمنافق نفسه، وهذا المثال مثال الحق الذي يغمر المنافق، ولكنه لا ينتفع به،
والصيّب هو المطر، فالحق الذي يغمر هؤلاء كمطرٍ ينزل من السماء
((فِيهِ ظُلُمَاتٌ)) ظلمة السحاب وظلمة المطر - لأنه يحول بين الضياء وبين الأرض - وظلمة سحاب فوق سحاب
((وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)) من الأمور المخوفة،
((يَجْعَلُونَ)) أي من ابتلي بهذا الصيب ((أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ)) خشية ((الصَّوَاعِقِ)) فإن الصاعقة إذا نزلت قرعت الأسماع صوتها الشديد، ((حَذَرَ الْمَوْتِ))، فإن الصوت الشديد يوجب انخلاع القلب، فيموت الشخص، لكن هؤلاء المنافقين الذين هم كفار في الباطن لا يظنوا أنهم يتمكنون الفرار من بأس الله تعالى
((واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)) إحاطة علم وقدرة
((يَكَادُ الْبَرْقُ)) اللامع في السحاب ((يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ)) أي أبصار من ابتلي بالصيب، وخطف البصر كناية عن عماه،
((كُلَّمَا أَضَاء لَهُم)) بأن أبرق ورأوا طريقهم ((مَّشَوْاْ فِيهِ)) أي في البرق، بمعنى استفادتهم من نوره فيمشون،
((وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ)) بأن لم يبرق ((قَامُواْ)) في أماكنهم، أي وقفوا
((وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ)) بسبب صاعقة قوية فتصمهم
((وَأَبْصَارِهِمْ)) بسبب برق قوي، إذ النور إذا قوي أوجب ذهاب البصر،
((إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فلا يمنعه أن يحتمي الإنسان بإصبعه أو بغمض بصره عن أن يذهب بسمعه أو ببصره.
وهذا توضيح المثال بتطبيقه على المورد:
أن "الصيب" هو الحق النازل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
و"البرق" هو تقدم المسلمين وما يسبب لهم إنارة الطريق،
و"الرعد والصاعقة " إيعادات الرسل والأهوال المكتنفة بالدعوة .
والمنافقون كمن ابتلي بهذا الصيب في الصحراء، فالحق كالمطر فيه الحياة، لكن فيه ظلمات غلبة الكفار وذهاب الأنفس والأموال والثمرات،
وفيه برق ينير طريق الحياة السعيدة،
وفيه رعد وصاعقة مواعيد الرسول وفضيحه المنافقين،
وهؤلاء المنافقين يكاد سرعة تقدم المسلمين تعميهم، فإن العين إذا نظرت إلى ما لا يسرها اضطربت ودمعت - كلما أضاء لهم بأن غلبوا في الحرب وحصلوا على الغنائم واتبعوا الرسول،
وإذا أظلم عليهم - بأن غلب عليهم الكفار - وقفوا وقاموا في مكانهم، لا يعلمون ولا يتقدمون،
وهم يخافون من الفضيحة، إن نزلت آية في شأن المنافقين، فيجعلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعونها، أو يتغافلون عنها كي لا يرى أثر الانهزام في وجوههم،
فإن الإنسان المجرم إذا سمع ما يمس إجرامه ظهرت الصفرة وآثار الانهزام على وجهه، ولكن الله قادر على إماتتهم، كما هو قادر على فضحهم والذهاب بسمعهم وبصرهم، فليسوا هم في راحة من نفاقهم - كما زعموا - بل هم في أشد ابتلاء ومحنة.
تقريب القرآن إلى الأذهان ج - 1 ص - 109 - 110 - 111
المفضلات