صحافة عربية وعالمية
التاريخ بطريقة أخرى
لم أتنبه لأسباب اختيار ناشر «السفير» الاستاذ طلال سلمان، صورة الجنرال اللنبي وهو يطأ مع عساكره البريطانيين، أرض القدس في العام 1918، لتتصدر الصفحة الأولى من ملحق «فلسطين» الذي صدر عن «السفير» يوم الجمعة، الرابع عشر من أيار، ذكرى النكبة.
كنت أفضل ان تتصدر العدد الأول صورة، تدل وتعبر، عن مضمون العدد الأول: «14 أيار: القضية».
وبرغم وفرة الصور، فقد أصرّ الناشر على اللنبي وعلى تبرير اختياره: «هذه أدت إلى تلك» و... «الجنرال اللنبي يدخل القدس الشريف، تمهيداً لما سيكون». وما كان بعد ذلك، كان عظيماً... وما كان بعد ذلك، مستمر حتى الآن، وسيكون أعظم في ما بعد.
وكنت قبل أيام، تسلمت دعوة للمشاركة في مؤتمر يعقد في دمشق، يتناول قضايا العروبة. وكان تعليقي المباشر: هل نحن مخطئون في التواريخ؟ ثم استطردت: هل يتساوى اللنبي مع بن غوريون؟ هل العروبة حية ترزق أم خرجت من التاريخ وأخرجنا معها»؟
قلت: بل نحن في تاريخين: تاريخ مسكوت عنه عنوة، وتاريخ مفضوح وتجري احداثه بإرادة، يشبَّه الينا أنها اراداتنا.
عندما نعود إلى اللنبي، نعود إلى اللحظة التأسيسية الأولى، لخراب الأمة المريع. نعود إلى وعد بلفور ومسيرته الاستيطانية المستفحلة، ومحاولة اعدام فلسطين برمتها، واسقاط الفلسطينيين نهائيا من التاريخ والجغرافيا. وفي الوقت نفسه، نعود إلى لحظة التأسيس لمقاومة عمرها زهاء قرن، إلا قليلاً.
وعندما نعود إلى اللنبي، نعود إلى سايكس بيكو، ومعها نستعيد لحظة التأسيس لعروبة نضالية تصدت للتجزئة، ولم تفلح.
لنا تاريخنا... ولهم تاريخهم.
تاريخنا، لا يزال أفقه مفتوحاً على الآتي من النهوض. إنه تاريخ لم ينعدم المنتمون إليه، قومياً ونضالياً. أما تاريخهم، فهو يزحف على جبينه، متنازلاً عن كل ذرة تراب وكرامة واستقلال وسيادة، ومتمرسا بتقليد الاعداء، لغة وثقافة وسياسة واقتصاداً ومالاً وانحطاطاً، من دون ان يكون له جدارة التأليف... تاريخهم، فصل صغير وتافه، من فصول السقوط والاستسلام والرغبة في تبني السلامة، كخيار استراتيجي، لا بديل عنه.
تاريخنا لم يسقط... ولنا على ذلك أدلة.
وتاريخهم هو السقوط... ولنا على ذلك براهين.
خارج الدائرة القومية، نشطت عصابات العصبيات، نمت ذئاب المذهبيات، اتسعت غابات الافتراس. وتحولت الكيانات الوارثة قرار سايكس ـ بيكو، إلى قدس الأقداس المدنس. وفازت القطرية، وما فيها من تنابذ وتحزب وتعيُّل، على كل رابطة جامعة... وخارج دائرة المقاومة، حظيت فلسطين، عربيا، بثقافة العجز والتخلي.
العرب، بلا عروبتهم، هم افخاذ وعشائر وقبائل وعائلات ومذاهب وأقوام متحالفة مع مؤسسات دينية تكفيرية، بالغة الثراء، فاحشة الفساد، ومتصلة اتصالا وثيقا، بأنظمة واستبداد، اقامت حلفها المقدس، مع الفساد العالمي المنظم، لتحويل دويلاتها وكياناتها، إلى أسواق مصدرة للبؤس والفقر والاختلالات الاجتماعية.
العرب، بلا فلسطين، هم تكوّم بشري مقموع. هم لاجئون في مخيمات الشتات الدولي. هم على قارعة اوسلو، على رصيف مجلس الأمن وفتاته. هم على لائحة انتظار لموعد مع سيد هذا الكوكب: «الأميركي الجشع»، (ساكس ـ أوباما).
اذا خسرت العروبة فلسطين، فلا لزوم لها. من هنا، مشروعية انتماء العروبة إلى النضال القومي.
لتاريخنا، مسك الختام.
انتماؤنا إلى تاريخ الخامس والعشرين من أيار.
ولهذا التاريخ مستقبل تزدهر فيه إرادة الأمة، بقضاياها العادلة.
ولهذا التاريخ مسار يفضي إلى طرد اللنبي وورثته من فلسطين.
هل هذه أضغاث آمال؟
التحرير، لم يعد أملا، بات حقيقة تاريخية جداً جداً، ويسعى أدعياء تاريخ الهزائم إلى قتله... و«سيخسؤون».
نصري الصايغ
السفير اللبنانية
المفضلات