إباحة شرب البيرة ما لم تسكر عند الأحناف [د.الهلالي] ..
قام الدكتور "سعد الهلالي" أستاذ قسم الفقه البديل في الأزهر الشريف، من خلال إحدى الأقنية التلفزيونية وربما تكون قناة فضائية، بإثارة حكم شرعي قديم يتم تداوله في المنهاج الدراسي الفقهي في جامعة الأزهر، مفاده أن الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه، اجتهاد بالقياس حول حكم تحريم الخمر بأن الخمر ذكر كنبيذ في نوعين من الثمار، وهما العنب والتمر، وبناء على هذا وفق نقل الهلالي فأن كل ثمار أخرى غير هذه الثمار تصنف على أنها مسكر وليست خمرا، والمسكر يجوز الشرب منه ما لم يبلغ السكر ؟؟؟؟ !!! ..
أقول وما توفيقي إلا بالله :
اعتاد فقهاء المذاهب أثناء اجتهادهم بالاستنباط بالقياس أن يكون قياسهم لفروع فقهية ناتجة عن أصول ثابتة، قياسا إيجابي يدعم الأصل، فبيان وفهم الفقيه المجتهد مشتق من هدي النبوة مثال ذلك استنباط بيان الآية : ( وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ) [النساء : 23]، حيث لاحظ النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بفهمه العالي عن الله عز وجل، أن التحريم هنا تحريم اجتماعي أكثر منه صحي، لأنه يخلق الغيرة والبغضاء بين الأختين وبناء عليه قاس صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك جمع الزوجة وخالتها وعمتها ..
وبناء على ما تقدم يجب أن يكون القياس إيجابي عند أئمة المذاهب وعلى رأسهم الإمام الأعظم الذي قال فيه الإمام الشافعي عالم قريش رحمه الله تعالى : ( الناس عيال بالفقه على أبو حنيفة )، ومما لا يقبله العقل والمنطق أن يجتهد الإمام الأعظم رضي الله عنه في أمر، يعارضه به تلاميذه فيما بعد وعلى رأسهم تلميذه النجيب المحب "أبو يوسف" رحمه الله تعالى، والذي أخذ عنه الإمام أحمد وأستاذه الشافعي رحمهما الله تعالى، بل ويخالفه بذلك باقي أئمة الفقه بترك البحث في هذه المسألة بسبب وجود نصوص ثابتة صحيحة وصريحة فيها بالقرآن والسنة ..
وقبل أن نبين حقيقة الأمر علينا أن ننظر في سر تشريع أو فقه تحريم الخمر ..
والسؤال الآن ما هي المضار التي يحدثها الخمر حتى حرم ..
أقول وما توفيقي إلا بالله، أول هذه المضار سلوكية عقدية، لأن الخمر يجتذب النفس العاقلة عن الله ويقوي ميلها للكسل وحب الدنيا، ويخدر العقل عن الطاعات والسلوكيات ..
أما من الناحية الشريعة فكثرية منها :
أنها تفقد الشارب التمييز وتسلبه الوعي، فيقع في محظورات لا حصر لها منها أنه قد يقوم بالفواحش كالزنا والقتل، مما يخلق فوضى اجتماعية عارمة، كما هو الحال في المجتمعات الغربية ..
فإباحة مسكر ضمن ضوابط هو في الحقيقة فتح ذريعة لشرب الخمر وما يجر معه من مفاسد، وقد تم التعامل مع هذا الأمر من باب سد الذرائع بنص تحريم عام من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 352/ر:3681]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 258/ر:1865]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج8/ص: 700/ر:5623]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج3/ص: 199/ر:3393]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج2/ص: 353/ر:6522]، وخلاصة حكمه : [صحيح] ..
ومن باب شدة التحريم وسد الذرائع عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
عن ابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال : ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 350/ر:3674]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3674] ورواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص:589/ر:1295]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:1295]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج3/ص: 195/ر:3381]، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:2741]، والإمام أحمد في "مسنده" [ج2/ص: 229/ر:5683]، وصححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج4/ص: 322]، وصححه ابن حبان في "الثقات" [ج12/ص: 178/ر:5356]، وصححه الحاكم النيسابوري في "المستدرك" [ج2/ص: 37/ر:2235]، وخلاصة حكمه : [صحيح] ..
أما موضوع تقسيم الإمام أبو حنيفة للفظ الخمر عن ما ثبت فيه الخمر والباقي على أنه مسكر يجوز شرابه بقدر غير مسكر فهذا غير وارد لأنه يشعل مزاج الشرب عند الشارب للاستزادة والإدمان ثم السكر عند الضيق مبدئيا مما يضعف عامل الالتجاء لله ويسقط مخ العبادة وهو الدعاء ..
يضاف إلى ذلك أن الخمر والمسكر في الإسلام واحد كما ورد في السنة الشريفة :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( كل مسكر خمر، وكل خمر حرام )، رواه مسلم في "صحيحة" [ج13/ص: 172/ر:5186]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 352/ر:3679]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3679]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 256/ر:1861]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:1861]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج8/ص: 695/ر:5601]، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" [ر:5601]، وابن ماجه في "سننه" [ج3/ص: 198/ر:3390]، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:2751]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج2/ص: 109/ر:4815]، وصححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج7/ص: 28]، وصححه ابن حبان في "الثقات" [ج12/ص: 177/ر:5354]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:4553]، وخلاصة حكمه : [متفق عليه] ..
إضافة إلى ذلك كله أن موضوع البيرة أو الجعة وفق التسمية العربية ورد فيها وفي غيرها من المسكرات نص تشريعي ثابت ؟؟؟ !!، في الآثار الصحيحة، ومنها :
عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنِ الْمِيثَرَةِ، وَعَنِ الْجِعَةِ )، وقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ في الجعة : [وَهُوَ شَرَابٌ يُتَّخَذُ بِمِصْرَ مِنَ الشَّعِيرِ]، رواه أبو داود لفظ قريب في "سننه" [ج2/ص: 257/ر:3697]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3696]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج5/ص: 108/ر:2808]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2808]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج8/ص: 546/ر:5182]، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" [ر:5182]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 213/ر:1105]، وصححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج2/ص: 250]، وخلاصة حكمه : [صحيح] ..
يقول الفاروق الأشهب عمر رضي الله عنه : ( نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة أشياء من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل )، رواه الشيخان في الصحيح، البخاري [ج5/ص: 2120/ر:5259]، ومسلم [ج18/ص: 360/ر:7475]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 349/ر:3669]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3669]، ورواه النسائي في "سننه الكبرى" [ج3/ص: 311/ر:5088]، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" [ر:5594]، وخلاصة حكمه : [متفق عليه] ..
والسؤال الآن كيف يجتهد الإمام الأعظم رضي الله عنه، بما كان فيه نص شرعي واضح، وهو من التابعين ؟ ..
والإجابة أن الإمام الأعظم اجتهاد ضمن قاعدة فقهية تقول : كل مسكر نبيذ، وليس كل نبيذ مسكر ..
وقد أباح الحنابلة شرب النبيذ ما لم يسكر، أي ما لم يكن مسكر ..
والنبيذ لغة: الطرح، واصطلاحا: ما يلقى في الشراب من تمر أو زبيب أو عسل، لجعله حلو المذاق، وهو ما أستعيض عنه اليوم بالسكر ..
عن أبي موسى الأشعري وعامر بن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنهم أجمعين، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا )، رواه مسلم في "صحيحة" [ج13/ص: 168/ر:5175]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 479/ر:22449]، رواه النسائي في "سننه الكبرى" [ج1/ص: 653/ر:2159]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:6787]، وخلاصة حكمه " [صحيح] ..
وقد ورد في إباحة شرب النبيذ للتحلية أو التخليل وقف قاعدة الاستحالة الفقهية آثار شريفة تدل على أنها مباحة :
عن عبد الله بن عباس رضي الله قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له في أول الليل، فيشربه، إذا أصبح، يومه ذلك، والليلة التي تجيء، والغد والليلة الأخرى ، والغد إلى العصر . فإن بقي شيء، سقاه الخادم ؛ أو أمر به فصب )، رواه مسلم في "صحيحة" [ر:2004] ..
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ، فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إِلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهَرَاقُ )، رواه مسلم في "صحيحة" [ر:2005]، ورواه أبو داود في "سننه" [ر:3723]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3713]، وخلاصة حكمه : [صحيح] ..
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت : ( كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ يُوكَى أَعْلَاهُ، وَلَهُ عَزْلَاءُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً، فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً )، رواه مسلم في "صحيحة" [ر: 2008] ..
ومما تقدم فلا يجوز الاجتهاد بالقياس السلبي بما كان به نص صريح أو تحريم صريح ..
بسم الله الرحمن الرحيم : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) [البقرة : 219] ..
والعفو هنا هو الترك على إطلاقه مع التشديد على ذلك .. انتهى .. اهـ
المفضلات