صديق لي في إحدى الجامعات بتخصص رياضيات، كان السؤال الذي طرح عليه في نهاية الفصل الدراسي والذي تعجبت منه عرف المصطلحات التالية !
الغريب أن المساق هو مساق لمعادلات رياضية بحيث تحتاج إلى حل وليس إلى عملية حفظ، صديقي أجاب على الأسئلة كما حفظها تماما ولكنه باح لي بشيء مهم ألا وهو أنه لا يعرف كيف يطبق هذه المصطلحات ذات المعادلات الرياضية والتي أجابها بشكل صحيح على الواقع، بحيث أنه حفظها دون أن يفهمها،
حيث نرى للأسف أن عملية التلقين انتقلت من المدارس إلى المرحلة الجامعية بحيث أعتاد الفرد عليها وأصبحت جزءا من طريقة دراسته لأن طبيعة امتحاناته تتطلب ذلك .
إن أبرز مخاطرة التلقين هو أنه يؤدي بصورة مباشرة في اعتياد الطالب على رؤية الأشياء وتقيمها بصورة استسلامية بحيث انه تضعف عنده طاقة الإبداع والتجديد، حتى وإن حفظ مضمونها نرى أنه لا يعرف ماذا تعني بشكلها الصحيح، إذ يصبح هذا الطالب عبارة عن ناسخة ورق في الحفظ وينتقل من عملية التركيز إلى عملية رسم الصفحة في رأسه.
حتى في وقت المحاضرة تجد أن عملية طرح الأسئلة غاية في التقليدية حيث أن الطالب ترتفع لديه العلامة في المشاركة لا بطرح الأسئلة بل بإعطاء الأجوبة الملقنة ولذلك تفقد العملية التعليمية قيمتها الحقيقة، ولكن لا بد من ذكر إن من أبرز مخاطر التلقين هي سرعة نسيان المعلومات بحيث أنها رسخت رغم عن الطالب أما علمية الفهم فهي تعمل على رسوخ المعلومات لفترة طويلة أكثر لأنها جاءت بظروف أسهل .
ينقسم التلقين إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي متوافرة في الجامعات بكافة أشكالها للأسف، هي الترديد، والحفظ، والخضوع. وجميعها يعتبر من المتطلبات الضرورية التي يتمتع فيها الطالب حتى يستطيع أن ينجح في المساق.
النوع الأول ألا وهو الترديد وهي عملية تساعد على نقل الصورة كما هي دون تغير، أما عن النوع الثاني الحفظ فهو الأكثر شيوعاً وهي عملية تخزين لفترة مؤقتة في الصورة التي أمام الطالب في الكتاب دون أن تعمل لديه حس في التفكير ، أما الخضوع وهو أخطر أنواع التلقين بحيث انه يستسلم للمعلومات دون أدراك في أنها يمكن أن تكون نظرية تحتمل الخطأ أو حتى المناقشة فيها على الأقل .
إن عملية التلقين ليست طريقة متبعة لدى كل أستاذ جامعي فهناك من تغلب على هذا الأسلوب في التدريس وأتبع طريق فعالة في مشوار المساق الذي يُدرس.
وفي الوقت الذي قد أجد عذرا لمن يتبع النوع الثاني من التلقين بحكم الاقتناع من المدرس بأن التلقين هو مفتاح للعلامات والتحصيل الجيد له ولطلبته، إلا انه يغيب عن المدرس أنه إذ لم يعط المادة حقها حتى وإن كان الطلاب قد حفظوها عن ظهر قلب فهذا ليس كافياً .
رائع إن هناك من الجامعات قد تعدت مرحلة التلقين وحتى مرحلة الفهم عندما اعتمدت النظام التطبيقي في تدريس تخصصاتها ولكن لم نستطع نحن في الجامعات الأردنية إن ننتقل من علمية الحفظ إلى عملية الفهم حتى الآن بصورة الصحيحة والكاملة .
وإذا أردنا أن ندرك أهمية هذه المعالجة دعونا ننظر في مساق اللغة الإنجليزية لأنه مثال حي على العملية التلقينية، حيث نرى أن الطالب يدرس لمدة اثنا عشر عاماً في المدرسة هذه المادة ثم يلتحق في الجامعة أربع سنوات ولم يتقن تلك اللغة بشكل جيد ولكن عند الحاقه بمركز لتعليم اللغة الانجليزية لمدة أشهر نجد أنها عوضت عن كل تلك المرحلة التعليمية ! إن اخطر أسلوب من الأساليب المتبعة في التلقين هو من خلال علاقة التسلطية حيث أن (سلطة الأستاذ لا تناقش أبداً (بينما على الطالب إن يستسلم لها ، حيث نجد إن عملية عرض المادة تكون عبر قراءة ما كتبه هذا الأستاذ الجامعي في الملزمة دون إعطاء مجال للنقاش حول ما تناولته هذه الملزمة . لا أنكر من جديد انه هناك أساتذة جامعيين قد تميزوا في طريقة عرض المادة بحيث أنها علقت في الأذهان ولا يمكن نسيانها لأنه لم يتبع فيها أيا من طرق وأساليب التلقين بل كانت مبنية على الحوار وعرض وجهات النظر بشكل متقن عبر ترك مجال لعرض وجهة نظر الطالب بشكل ديمقراطي في جو مفعم بالإقناع بشكل غير سلطوي ، ولكن من جهة أخرى كان هناك نوع أخر لا زال متمسكا برايه في كون عملية التلقين شيئا ضروريا وجزءاً من العملية التدريسية وهذا الأمر يدعو إلى الوقوف عنده ومراجعته من جديد .
المفضلات