برزت ظاهرة العنف الجسدي واللفظي في مجتمعنا منذ سنوات.. وتلك ظاهرة مؤلمة وغير حضارية تدعو الى الدهشة والى الخوف من نشوء اجيال جديدة بعيدة عن قيم التسامح والتهذيب والرقي الاخلاقي.. حتى ليشعر الفرد بعدم الامان في الشارع والمدرسة وربما كذلك في البيت.
والخطر الاكبر والقادم هو ما قد بدأ يتطور من عنف ما بين طلاب المدارس في الاردن!! فمن المؤسف ان اهالي الطلاب اخذوا يربون اولادهم على رد العنف بعنف مقابل «من ضربك اضربه» و»خليك قوي ولا تخاف من احد.. اهجم على من اعتدى عليك بقوة واكسر رأسه».
حراك ثقافي فني
لذلك علينا ان نتوجه لمحاولة حل هذه المسألة الاجتماعية بحل منطقي ثقافي فني نتوجه به الى الجيل الناشئ من طلابنا في مدارسهم لانهم رجال ونساء المجتمع الذين سيكونون بعد سنوات قليلة.
الحل في الفنون لان الفنون تهذب النفوس وترقى بوعي الطلاب وتزيد تعميق وترسيخ مشاعرهم واحاسيسهم العاطفية والانسانية بعيدا عن الانانية والخشونة واللامبالاة.
يجب على وزارة التربية والتعليم ان تبحث وتوظف الاف المعلمين الدارسين والمتخصصين في فنون الموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والمكتبات والرحلات.. الخ.
عدة حصص في الاسبوع جادة جدا ومتخصصة في فنون الموسيقى والغناء والاناشيد الراقية سوف تثمر لا شك عن جيل طلابي عاشق لحياة النظام واللطف وحُسن المعاملة وردود الفعل الطيبة والسلسلة بعيدا عن الخشونة والصدام.
وكذلك دروس وحصص الاعمال الفنية من معلمين متخصصين في الفنون التشكيلية والرسم والنحت فانها كذلك سوف تملأ الخواء العاطفي وجفاف العلاقات ما بين الطلاب انفسهم والمعلمين والبيئة والشارع والبيت والاهل.. لان ازدياد المشاهر والاحساسي الفنية والجمالية والاستغراق بها والتعامل معها سوف تخلق طلابا اسوياء صحيا من الناحية النفسية والاجتماعية وصحبة الرفاق ايضا.
اما في حصص المسرح والالقاء والخطابة فان الذوق الفني والعقلي سوف يتسع لدى شخصيات الطلاب والطالبات لنجد ان ثقتهم بانفسهم قد زادت وان احترامهم للعمل والاشتراك مع المجموعات والاصدقاء والزملاء سوف يجعلهم اكثر انسانية وتعاونا وكياسة اجتماعية مع كل فئات المجتمع.
كما ان لدور المكتبة المدرسية اثر هام في صقل الشخصيات الثقافية لدى الطلبة من حيث قراءة الكتب والمجلات والجرائد ومشاهدة الافلام الهادفة وكتابة التقارير عنها ثم النقاش والقاء بعض القصص من مسؤولي المكتبة المتخصصين في هذا العلم علم المكتبات.
كذلك فان النشاطات أي الرحلات والزيارات الى المتاحف والحدائق والمؤسسات الثقافية والانسانية لها دور كبير في اطلاع الطلاب على العالم الخارجي الانساني للتأثر به بشكل عفوي بكثرة الزيارات الخارجية خارج المدرسة ومخالطة الناس والمثقفين ومتطوعي الاعمال الخيرية.. الخ.
هناك من يقول..
ولكن هناك من سوف يقول ان هذه الافكار ليست بجديدة.. وان بعض المدارس في الاردن تمارس تلك الانشطة والدروس الثقافية والفنية التي تصقل نفوس الطلاب عندنا.. ولكن مع الاسف ان الرد على ذلك هو ان تفعيل هذا الامر ضعيف جدا جدا.. فالمهم لدى المعلمين والمناهج والمقررات والوزارة هو ايلاء الدروس المعروفة والاهتمام بها كثيرا جدا مثل اللغات والعلوم والاجتماعيات والرياضيات.. الخ.. لكن المطلوب حقا وفعلا في تلك الظروف التي يعيشها مجتمعنا ومجتمعات المدارس من العنف المتصاعد هو التخفيف من الدروس المعروفة والمعتادة والتركيز ولو لمدة سنوات معينة على الحصص والدروس الفنية والثقافية ريثما نربي جيلا ناعما وانسانيا ومتحضرا في تعامله مع الاخرين أي تعليمهم «إيتكيت الحباة وفن التعامل».
ثم لنعترف ان حصص الفنون والثقافة في المدارس او معظمها مهملة اهمالا شديدا حد الاستهتار والاستهانة.. فهناك مع الاسف من يرى ان الفنون من رسم وموسيقى واطلاع ورحلات ومسرح مضيعة للوقت وكلام فارغ!! وانا اقول انها هي الحل لصقل وتهذيب مشاعر واحاسيس وعقول وتعامل الطلاب مع الحياة والناس وكل ما يوجد ويحيط بنا في البيئة والمجتمع.
الفنون.. الفنون
وهنا بعض الاقوال عن عالم الفن والثقافة واثرهما في حياة البشرية:
الفن ما هو الا تعبير عن ارقى حالات الوعي عند الانسان.
والذوق السليم لا يولد مع الانسان.. بل يكتسب تدريجيا من خلال التمرين وتلمس اسس الفنون والجمال. والفن يهدف الى ان يكون تطويرا للحياة وتعويضا عن نقائصها. والمسرح يحول المشاعر الى افكار يتم اعتناقها لتحسين سلوكيات الافراد نحو الافضل والاجمل. والفن شهادة بان الاغتراب لن يكون له اليد العليا في الحياة. والجمال ليس الا جانبا من الوعي الديني.. فالله جميل يحب الجمال. والثقافة فرح.. بل اكثر من فرح يمكن ان يهبه الانسان لنفسه وللاخرين. والفن هو المثقف الاول للشعوب. والثقافة ليست موجهة لدائرة صغيرة من القلة الممتازة.. بل لكل الامة بنطاقها العريض. والانسان فنان بطبعه لانه يصغر امام منظر طبيعي جميل. واقرأ ما استطعت واعزف واستمع للموسيقى ما استطعت.. فلو عمل كل واحد منا هكذا فان السلام سيعم الارض. وان الموسيقى لا تؤثر فقط في الانسان.. انها تؤثر ايضا في الافاعي والفيل الهائج ونباتات الارض. والسأم والقلق يخلقان الحاجة الى الفنون. والفن يدنو بنتائجه من عمل الدين حيث تهذيب الاخلاق والنفوس واعمال الانسان. والثقافة تذكر الانسان بأنه انسان دائما.
المفضلات