كتب - حاتم العبادي - حملت الرسالة الملكية، التي وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني أمس الاول الى رئيس الوزراء معروف البخيت، مضامين ودلالات واضحة ومباشرة، لما يجب عمله خلال الفترة الحالية، وفقا لمتطلبات عمليات الاصلاح والتطوير، الى حد وصفها البعض بأنها «بمثابة كتاب تكليف سامٍ ثانٍ للحكومة» .
وفي تفاصيل ومحاور الرسالة، تشخيص حقيقي للمشهد العام، يحاكي الواقع بشكل دقيق، وعبرت مضامينها عن نبض الرأي العام، إذ أن محاورها لامست أوجاع وهموم المواطنين، كما أنها أصابت مواضع تحديات ومعيقات أمام مسيرة الاصلاح والتنمية، كان التأخر والتباطوء في تجاوزها «التحديات والمعيقات» سببا في زيادة المعاناة، إضافة الى تضمنها آليات واضحة ومباشرة تؤطر لإجراءات تنفيذية يجب على الحكومة العمل عليها.
ومن جانب ثاني، تبرز أهمية الرسالة الملكية، ذلك من خلال توقيتها، إذ أنها جاءت في وقت مهم جدا، حيث يشهد الوطن حراكا قويا نحو مزيد من الإصلاحات والتطوير والبناء على إنجازات الدولة الاردنية.
كما أن التوجيه الملكي المباشر والواضح، يعكس أهمية وضرورة استغلال الوقت، وعدم إضاعته، في التحليل والقراءات لما يجب عليه الاصلاح، وان المرحلة تقتضي الدخول الفعلي في التنفيذ للانطلاق نحو مستقبل أفضل، وعدم الالتفات الى المترددين.
ما ورد في الرسالة من تحديد للقضايا الأساسية التي يجب على الحكومة العمل عليها مباشرة، إضافة الى ما حملته من أطر عامة وواضحة للإجراءات التنفيذية، يضع الحكومة أمام مسؤولياتها، خصوصا للفترة الحالية، وكذلك المواطن، إذ أن الملك أشار في رسالته بالقول « إنني إذ أوجه هذه الرسالة، وأخص بها القضايا الأساسية التي تواجه مسيرتنا، فإنما استنهض المروءة والإرادة في كل أردني، للمحافظة على دولته ودستوره وإنجازه، واستنهض الذين يؤمنون بالإصلاح أن يدخلوا في غمار الإنجاز موحدين حتى لا يضيع عليهم المترددون الانطلاق نحو المستقبل الأفضل».
وعكست الرسالة ومضامينها، مدى قربها من نبض الشارع واحتياجات المواطن، إذ أن بعض محاورها، استند الى نتائج لقاءات أجراها الملك مع فعاليات حزبية وسياسية ونسائية وشبابية، وأخرى مستقاه مما يدور ويحدث في الشارع، ونشير هنا الى ان الملك لفت الى لقائه الأخير، قبل أيام مع الشباب، في معرض تأكيده على «استقلال الجامعات وضمان حرياتها الأكاديمية والفكرية والإبداعية أمر أساسي، وإنني أوجه الحكومة وجميع المؤسسات المعنية أن يتوقف ما يشكو منه أبناؤنا في الجامعات من تدخلات في شؤونهم واتحاداتهم الطلابية وتفكيرهم السياسي».
وفي الدعوة الملكية لدعم الفنانين والكتاب والمثقفين، الذين ظل عطاؤهم حاضرا على ضيق الدعم المقدم لهم، أشار جلالته بألم لما عبر عنه هؤلاء الفنانون قبل أيام وهم ينعون الفن الأردني، ويمدون الشكوى عبر شوارع العاصمة.
ما تضمنته الرسالة من محاور تفصيلية للقضايا الرئيسية والأساسية.. فقد دفعت بالكرة الى ملعب الحكومة من خلال وزاراتها ومؤسساتها المختلفة.. وهذا ما أكد عليه الملك بصراحة بقوله « لن التمس بعد اليوم عذرا للتأخير في دورة الحياة في عروق الاصلاح السياسي والاقتصادي»... وخاطب رئيس الحكومة بان «لا يقبل من مقصر حججا واهية لخلل أصاب عملا في إطار مسؤولياته، خاصة في التعليم والصحة والمؤسسات الرقابية والإدارية.. وان لا تبقى البيروقراطية حجر عثرة في سبيل إنجاز متطلبات المواطنين وحاجاتهم».
وكما ان الرسالة تضمنت توجيهات مباشرة للحكومة.. فإنها أيضا تضمنت دعوات للأردنيين، بأن يكونوا على قدر المسؤولية.. وان يتحمل الجميع مسؤوليته.. وان يكون انطلاقتهم في التطوير والإصلاح مبينة على ركيزة المحافظة على دولتهم والدستور والإنجازات التي تحققت .. وان ينخرط الجميع موحدين في غمار الإنجاز نحو المستقبل الأفضل.
ما يجب على الجميع إدراكه بأن المطلوب الان، الانتقال من دائرة الحديث عن التنفيذ والتوعد به الى مرحلة التنفيذ الفعلي وتحقيق النتائج، وان يتم الخروج من نطاق وسياسة الحديث عن «المفاهيم» الذي لا يصنف ضمن باب الاصلاح، الى الفعل وتحقيق النتيجة الى تؤدي للإنجاز وتراكمه.
وعلى مدار الفترة الماضية، أزال جلالة الملك، من خلال توجيهات كثيرة من الحجج والتبريرات التي يتحجج بها البعض للتقصير، فخلال لقائه مع فعاليات سياسية ونيابية، طلب من الجميع ممارسة دوره وصلاحياته الكاملة، وعدم الانصياع والاختباء وراء مقولات غير دقيقة «هنالك توجيهات من فوق»، والتأكيد على أن التوجيهات واضحة ولها مساراتها .. وهو ما عاد التأكيد عليه في رسالته أمس الأولى الى الدكتور البخيت.
فالتوجيه الملكي، الى الجهات المعنية بمكافحة الفساد، بإجتثاث الفساد من جيوبه صغيرة او كبيرة وإيقاع القصاص على الفاسدين، يحمل رسالة بأن الجميع تحت سيادة القانون مهما كان موقعه، التزاما بمنهجية دولة المؤسسات والقانون
وتعزيز الثقة بين المواطن والحكومة وسياساتها وإجراءاتها، من خلال وضع المواطن في صور ما يجري، وجه هيئة مكافحة الفساد لإصدار كل شهر تقريرا عن إنجازاتها لكي يعلم بها الراي العام بكل شفافية ومسؤولية.
التأكيد على عنصر الوقت، كان من ابرز ما تضمنته الرسالة الملكية، فالتوجيه الملكي، كان اتخاذ إجراءات «سريعة» و»حاسمة» و»متابعة» و»تقييم»، وهذا يؤشر الى ان المطلوب إجراءات فورية تحقق نتائج ملموسة، ومتابعة تنفيذها، مع إجراء تقييم مستمر لها من أجل ضمان الاستمرارية وتحقيق الأهداف.
بالإضافة الى ان كثير من الملفات والقضايا، التي تضمنتها الرسالة، حددت المطلوب من الحكومة من أجل التعاطي والتعامل معها، وفق أطر زمنية واضحة ومحددة... ففيما يتعلق بلجنة الحوار الوطني كان التوجيه بان تنجز عملها خلال الفترة المحددة لها مسبقا بـ(3) اشهر، وان تكون هنالك خطة لتطوير الإعلام تعتمد على الحرية والمسؤولية في غضون شهرين، وإجراءات اقتصادية جديدة خلال ثلاثة أشهر، تضمن خطوات عملية لإيجاد فرص العمل بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتنجز القوانين ذات الصلة بالاستثمار وحماية المستهلك ومنع الاحتكار وتنظيم السوق... وإعداد خطة واضحة لكيفية استقطاب الاستثمارات ذات القيمة المضافة العالية والمشغلة للأردنيين، وتذليل الصعوبات والتحديات في غضون شهر.
الرسالة الملكية، وما حملته من توجيه باتخاذ خطوات سريعة وحاسمة وسريعة، بمثابة «خارطة طريق للحكومة» للتعاطي مع متطلبات الحاضر والمستقبل.. خارطة طريق لا يقبل الحياد عنها او التأخر في تنفيذها تحت أي عذر .. وعدم القبول بأي حجج واهية لاي خلل قد يعيق الطريق نحو المستقبل.. كما إنها دعوة لاستنهاض همم الأردنيين جميعا... الطريق سالك فلنبدأ السير الى الأمام.
المفضلات