الأردن.. خطاب الشفافية الرسمي تسبب في انفجار ألغام الفساد!!
مهلة المائة اليوم التي تمنح عادة لأي حكومة جديدة في الأردن كفترة سماح اعلامية وسياسية قبل الهجوم والنقد والتشخيص لم تحظ بها عمليا حكومة الرئيس سمير الرفاعي فقد فتحت نيران النقد والتعرض للطاقم الوزاري مبكرا.
وهوجمت بقسوة خطوات الوزارة في المسار الإعلامي وبدأ كثيرون في موسم الإطلاق المجاني والجزافي للنار على لافتات الحكومة التي يتزايد التحرش بها قياسا اولا بالظروف الإقتصادية القاسية التي تعمل في ظلها، وثانيا بالحركة النشطة لرئيسها خصوصا في مسارات الشفافية وإعلان الحرب على الفساد.
والجسم الصحافي والنخبوي أظهر حرصه على تقليص مساحة التسامح مع وزارة الرفاعي التي يمكن القول انها سيئة الحظ بسبب إنفجار أكثر من قضية وملف في حضنها قبل الإسترخاء وإن كانت تحاول المضي قدما بقفزات وخطوات واسعة ونوعية.
ورغم الإثارة المحلية المتسعة على كل الجبهات لا زالت الإعتبارات والظروف التي تشكلت بموجبها وزارة الرفاعي من الأسرار التي لم تتضح بعد من حيث التفاصيل فمعطيات المعلومات تؤشر الى ان نوايا تسليم الرفاعي تقاليد الحكومة سبقت بأسابيع قرار حل البرلمان الذي لا زال بدوره يشكل سر الأسرار وسط خارطة تكهنات تبدأ من الإشارة لترتيبات إقليمية وسياسية دولية وتنتهي بالتشبيك مع مشاعر سلبية تجاه البرلمان تشكلت عندما رفض النواب التعاون مع مطالب محددة وجهت لهم على اساس اعتبارات سياسية وأساسية.
والمعطيات نفسها تكشف بوقت متأخر النقاب عن ان الرئيس السابق للوزراء نادر الذهبي تجاهل حتى اللحظات الأخيرة مقولات رحيل وزارته حتى استدعي على عجل إلى مقر المؤسسة العسكرية وطلبت منه الاستقالة فورا باجتماع فردي مع صاحب القرار فيما شكل دخول وخروج رئيس الديوان الملكي ناصر اللوزي بمعية الملك عدة مرات مبررا بالنسبة لبعض كتبة الأخبار يدفع لصالح توقع اختيار اللوزي خليفة للذهبي، الأمر الذي لم يحصل.
وخلال أيام فقط بعد رحيله أصبح الذهبي مطاردا بسلسلة تقارير وتلميحات وتساؤلات تتعلق بصفقة محددة تحقق السلطات في تفاصيلها الآن وعنوانها الأعرض مسألة الطاقة والبترول والمحروقات.
وفي الأثناء واجه الذهبي ما واجهه سلفه الرئيس معروف البخيت فأول ملف تحدثت عنه حكومة الذهبي علنا بعد تشكيلها كان ملف صفقة الكازينو في عهد البخيت، والآن يشرب الذهبي من نفس الكأس تقريبا فأول قرار لوزارة الرفاعي بعد تشكيلها كان التدقيق في آخر ترتيبات نفطية استراتيجية اتخذتها وزارة الذهبي.
ومن الواضح ان تكليف الرفاعي بتشكيل وزارة جديدة والتوافق معه على التفاصيل رتب خلال مشاركته منفردا برحلة ملكية سريعة لفرنسا كان لافتا انه يشارك بها ـ قبل التكليف ـ رغم عدم وجود منصب رسمي إلى ان دخلت البلاد بالمزاج الذي تقتضيه الحالة الجديدة.
الرفاعي بكل الأحوال كان يفضل الانتظار لسنوات قبل تسلم رئاسة الحكومة وعندما لاحظت المؤسسات المرجعية مساحات من التردد لديه طلبت منه الإنطلاق والتحليق مع كل الدعم الممكن على أساس انه شاب ويمثل ما لا يزيد عن 70% من الأردنيين حيث غالبية الشعب من فئة الشباب.
وزود الرجل بخطاب تكليف ملكي ينطوي على ثورة إدارية بيضاء لا مجال في نصوصها للمزاودة على الدولة والنظام وفي ضوء التفاصيل إنطلقت مسبرة الحكومة الوليدة بخلطة وزارية مهجنة لها أغراض تكتيكية وأخرى سياسية وهدفها تمثيل جميع التيارات والبرامج والمقترحات.
ورغم صعوبة توقع تحقيق نجاحات لافتة بهذه الخلطة إلا أن فترة الإسترخاء لم تدم طويلا فوزارة الرفاعي لم تهنأ بفترة السماح المعتادة حيث اشتغلت الصالونات مبكرا ضدها وشحنت الأقلام المتضررة من برامج الشفافية التي ستطبقها طاقتها لمطاردة الفريق الوزاري وإلتقاط أي مشكلات عالقة من الماضي أو ولدت خلال الأيام القليلة التي جلس فيها الوزراء على كراسيهم.
ولإضفاء المصداقية على خطاب الحكومة بخصوص الشفافية والنزاهة والإنتاجية ومكافحة الفساد تعامل الوزراء بصراحة مع المواقف داخل مؤسساتهم فمارست الصحافة مجددا هوايتها في الإصطياد والملاحقة والأهم ان عدة ألغام على شكل قضايا وملفات فساد إتفجرت في حضن التجربة التي لم تتمترس او تتمرس بعد.
وفي السياق تشرف لجان حكومية وقضائية في الفترة القصيرة في عهد الرفاعي على التحقيق والتدقيق بقضايا فساد مفترض فقد انفجر لغم الإختلاس في وزارة الزراعة ودخل الوزير سعيد المصري في معركة معقدة ومفصلة إنتهت بإعلان صريح يقول فيه بانه لا يضمن شخصيا عدم حصول إختلاسات أخرى في الماضي.
وكشفت تفاصيل التحقيق معطيات مرعبة تصلح كقياس لعمليات اختلاس أكثر توسعا في عدة مواقع كما بدأت دائرة مكافحة الفساد في تقليب أوراق ملف آخر يعتقد انه سيطال ويطال حاليا أسماء كبيرة لمسؤولين يقال انهم فتحوا غرفة البيانات والمعلومات لشركات أجنبية في الوقت الذي كشف فيه النقاب عن قضية إختلاس أخرى ضخمة وتزوير في بلدية العاصمة عمان لم ينته التحقيق فيها بعد.
وبالتوازي طولبت وزيرة التنمية الإجتماعية هالة لطوف بالتنحي بعد كشف إنتهاكات مخجلة في مؤسسات الأيتام التابعة لوزارتها ووجهت إتهامات قاسية بحق وزير الإتصال والإعلام نبيل الشريف المتحمس لتطبيق بنود مدونة سلوك إعلامية وقعها مجلس الوزارة كما هوجم الفريق السياسي الوزاري الذي يطبخ تعديلات قانون الإنتخاب بعيدا عن الأضواء فيما يعتبر بداية لعودة ظاهرة إقتناص الوزراء تدريجيا عند أي خطأ تجاوبا على الأرجح مع شعارات الشفافية التي ترفعها الحكومة وتفعيلا لدور السلطة الرابعة بعد غياب البرلمان.
المصدر : الحقيقة الدولية - القدس العربي 3.1.2010
المفضلات