كيف يختلف اللعب عند الطفل التوحدي عن الطفل الطبيعي؟
عبد الرحمن محمود جرار - التوحد Autism هو اضطراب في النمو العصبي يؤثر على التطور في ثلاثة مجالات أساسية: التواصل، والمهارات الاجتماعية، والتخيل. والتوحد قد يحدث بمفرده أو قد يكون مصاحبا لاضطراب آخر يؤثر على وظائف الدماغ، كالصرع، والإعاقة العقلية، أو الالتهابات الفيروسية. والتوحد اضطراب مربك لأنه يعبر عن نفسه بشكل مختلف في كل حالة. فبعض الأطفال المصابين بالتوحد يعانون من ضعف عقلي شديد في حين أطفالا آخرين يظهرون قدرات متميزة في الحساب أو في الذاكرة أو في الفن ولكنهم يفتقرون إلى أية مهارات اجتماعية. وبعض الأطفال لا يتكلمون في حين ان بعضهم الآخر يتكلم وان كان كلامهم غير واضح للآخرين من حولهم. وينزعج معظم الأطفال التوحديين من التغير في بيئتهم، أو يظهرون حركات من نفس النمط مثل هز الجسم أو اللعب بنفس الطريقة أو الانفصال عن البيئة والناس فيها.
ويظهر التوحد في جميع أنحاء العالم وعند جميع الجنسيات والطبقات الاجتماعية. ولم تجرى حتى الآن أي دراسات تدل على مدى انتشار التوحد في العالم العربي. تظهر حالات الإصابة بالتوحد بنسبة 1:4 بين الذكور والإناث بشكل عام. ولكن التوحد يظهر في الغالب بدرجات شديدة لدى الإناث، ويكون مصحوبا بتأخر عقلي شديد. وفي فئة التوحد الشديد، يوجد ذكران مقابل كل أنثى. 1:2.
ويظهر التوحد بوضوح عادة قبل أن يبلغ الطفل السنة الثالثة من عمره، وفي 70 -80 %من الحالات يظهر خلال السنة الأولى من العمر. أما بقية الأطفال فإنهم ينمون بشكل طبيعي أو قريب من الطبيعي ثم يتراجعون بين سن الثانية والثالثة ويفقدون بعض المهارات التي اكتسبوها، مثل استخدامهم لبعض الكلمات، واهتماماتهم الاجتماعية.
نظرا للشدة التي يتضمنها اضطراب التوحد فإن هذا يؤدي إلى خلل في الكثير من المجالات عند الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، واللعب إحدى هذه المجالات، فالأطفال التوحديون لا يبدون نفس الاهتمام الذي يبديه الأطفال الآخرون بالدمى والألعاب، ومن الأشياء التي يقوم بها اختصاصي التوحد لمعرفة ما إذا كان الطفل يعاني من التوحد أم لا ملاحظة اهتمام الطفل بالألعاب. فإذا لم يعر أي منها اهتماما، فقد يكون هذا السلوك إحدى العلامات الانذارية للإصابة بالتوحد. وفي كثير من الأحيان، يُعزى افتقارهم إلى الاهتمام بالألعاب إلى عدم معرفتهم بطريقة الحصول على نتائج ممتعة منها، وهي مهارة يبدو أن الأطفال العاديين يتعلمونها بملاحظة الناس الآخرين وتقليدهم. في كثير من الحالات عندما يتم تعليم الأطفال التوحديين كيف يلعبون بالأشياء، يزداد اهتمامهم بالدمى ويصبحون أكثر قوة في استخدامها إلا أنهم لا يصلون إلى حدود طبيعية.
يسود اللعب الحسي الحركي عند الطفل العادي في مرحلة الرضاعة، فهو في هذه المرحلة قد يلجأ مثلا إلى ضرب دمية بعنف، أو يديرها حول نفسها، أو يرميها. إلا أن جميع هذه السلوكيات تنتهي مع تقدم الرضيع بالعمر، في حين ان هذه السلوكيات عند الطفل التوحدي تستمر معه إلى مراحل متقدمة من عمره.،ويأتي استعمال هؤلاء الاطفال للأشياء متكررا ولا مرونة فيه. ومن تصرفاتهم مع الأشياء، أنهم يشمونها أو يتذوقونها أو يتحسسونها، فقد يبقى التوحدي يلهو بخيط برز من ملابسه أو من الأثاث لفترة طويلة من الوقت وعلى نفس الوتيرة.
والأطفال العاديون يكونون أكثر تنظيما للعب عند مقارنتهم بالأطفال التوحديين، فالعاديون يرتبون ألعابهم في صفوف أو في أماكنها حتى وان كانوا فوضويين إلا انه عندما يطلب منهم إعادة تنظيمها فإنهم في الغالب يفعلون، وهذا ما لا نجده عند الطفل التوحدي والذي يصر بدوره على بقاء الألعاب كما يريدها هو ان تكون، وان ترتب كما يريد هو ترتيبها، وإذا حاول احد إجراء تغيير على تنظيمه للألعاب ينتاب التوحدي ثورة غضب شديدة.
ويبدأ الطفل العادي بتوظيف الأشياء ضمن وظائفها، فهو يرفع هاتفا صغيرا إلى أذنه ويتظاهر انه يكلم الآخرين وأنهم يردون عليه، وتقوم البنات الصغيرات باستخدام الفرشاة لتمشيط شعر الدمية. أما في حالة الطفل التوحدي فهو لا يستخدم الأشياء من حيث وظيفتها كما يفعل الطفل العادي، فهو يهتم بجزئيات الأشياء، مثل سلك الهاتف، أو الأزرار، ويبقى يلهو بها أحيانا لفترات طويلة تتعدى الوضع المقبول. مثال آخر، في الوقت الذي يستخدم فيه الأطفال العاديون الصحون للعب بها والتظاهر ان بداخلها طعاما ويحضرون ملعقة ويستخدمونها وكان الوضع طبيعي وأنهم على مائدة الأكل، فإن الوضع هنا بالنسبة للطفل التوحدي مختلف تماما فهو يوظف الصحون لتحريكها في حركة دائرية، ويبدأ يرفرف بيديه بسرعة ويصدر أصوات غريبة.
كما إن اللعب التمثيلي عند الطفل العادي يسير بشكل منطقي وحسب قوانين النمو، فهو يتظاهر أن الشيء الذي يلعب به هو شيء آخر غير ما هو في الحقيقة. فقد يتظاهر بأن حبة الموز هي هاتف. وينسب إلى الأشياء صفات غير واقعية، فهو يتظاهر إن مكوى اللعب ساخن، وان وجه الدمية العروس متسخ. أما في حالة الأطفال التوحديين فان اضفاء مشاعر عاطفية أو غير واقعية على الألعاب غير موجود، لكن هؤلاء الأطفال قد ينسبون البرودة إلى البوظةوالحرارة إلى صورة فرن.
ومع مرور الوقت، يتعلم الأطفال العاديون التظاهر بأنهم أشخاص مختلفون. فقد يأخذ الطفل دور أبيه أو أمه أو شخصية أخرى كالسوبرمان أو رجل الإطفاء أو الطيار. إلا أن الحال مختلف تماما، فمن النادر أن تشاهد طفل توحدي وهو يتظاهر بكونه شخص آخر، ومع ذلك، هناك بعض منهم، ولا سيما ذوو الأداء العالي، يمكن مشاهدتهم وهم يأخذون دور شخص آخر، وبخاصة ادوار الشخصيات الخيالية، لكن تمثيلهم للعب يتكرر مرة بعد أخرى كما يرونه في الفيلم تماما، وبدون تغيير. وبالإضافة إلى ذلك، يندر أن يعبروا عن النطاق الكامل للمشاعر العاطفية وتعبيرات الوجه التي تمثله الشخصية.
المفضلات