تعددت الاسباب والموت واحد. نعم ، وثمة موت موجع ، يخترق حواجز الاذعان للقدر المحتوم بالموت ، ويفتح باب الدمع على مصراعيه ، قد لا يكون الدمع حزنا على فقيد يعينه بل على حالة اثارها الموت او كشفها ، موت الراهب البوذي بالحرق ابان الحرب الفيتنامية كان ضربة لضمير المجتمع الامريكي الذي انتفض بعد ذلك ضد وجود قواته في فيتنام ، وبدأ الفنانون والمبدعون هناك بكشف زيف التواجد الامريكي في ارض فيتنام.
فالراهب دعا الصحفيين لمؤتمر صحفي ، وابتدأ المؤتمر بحرق نفسه احتجاجا على الصمت الكوني ، لم تكن حينها فضائيات ومواقع تفاعلية تنقل الموت على الهواء مباشرة كما هو الان ، لكن حادثة الموت غيرت وجه المقاومة الفيتنامية واكسبت فيتنام تعاطفا مضافا.
استشهاد الطفل محمد الدرة كان موتا موجعا وكان على الهواء مباشرة ، ايقظ ضمائر كثيرة ، لكنه مضى الى مخزون الذاكرة البليد والمجمد ، رغم ارتفاع حرارة الارض ، لكن ثقب الاوزون ، ثقب قلوبا ايضا فصار الموت مجانيا حتى للطفولة.
موت ياسر عرفات كان قاسيا ، فقد استمر بث موت الرجل سنين وعلى كل الشاشات ، وازداد منسوب البلادة وارتفعت درجة تجميد المشاعر ، وموت الاف في افريقيا جوعا وفي حروب مجانية اثمر عن نفس البرودة وانعدام نبض الروح.
الموت بات متعدد المواهب ومبدعا في اختيار الاشكال ، وتجلّى ابداعه اكثر في اختيار نوعية الضحايا ، بعد ان تخلّى عن اساليبه القديمة من سكتة قلبة وغيرها ، ونسي الموت في غمرة موسمه ان يحصد الضحايا ، كان الموت يحصد الضحايا او هكذا كانت الاخبار تقول ، فصار يأخذهم طحينا.
كان تعريف الكانون ، ابان زمن الخير ، دفئا ومجالس سمر ، وكانت المدفأة ثورة في التقدم لانتاج الدفء ، وبعد ان انفقدت البركة وعمّ الخراب في القلوب والارواح صارا وسائل دمار متنقلة تختار اللحم الطري او اي لحم ، فكان الموت يحصد الارواح ويطحنها لانتاج خبز المقابر ، وصارت حوادث الوفاة لا تخلق واقعا لتغيير الواقع ، صار خبر الموت مثل المسلسل المدبلج طويلا ومملا ولا يتابعه احد ، وإن قدّر له ان يتابع فمجرد لحظة عابرة لا تنتج دموعا بعد ان تحجرت المقل.
صرنا نشتهي موتا مجانيا او عابرا ، بسكتة قلبية او بتعطل عمل جهاز وظيفي بحكم مرور العمر ، وصرنا نشتهي موتا عاديا دون اختناق او جروح تحت عجلات طائشة او بانغراس حديد في اضلعنا ، صرنا نشتهي موتا نتساوى فيه كبشر دون ان يمايز الموت بيننا فيحصد الفقراء بالاختناق من اشعال مدفأة او تنكة حطب.
نشتهي المطر والثلج ونفتح لهما صدر السماء وقلب الارض ولكن صرنا نخاف على القاطنين على حواف الفقر او تحت خطّه من اختناق يرسله الموت على شكل مدفأة ، وسط صمت الجميع على تكرار الموت المجاني لأن رسائل التوعية لا تزيل البرد من الاطراف المجمدة بفعل الفقر.
المفضلات