إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستهديه،
إنه مَن يهد الله فهو المهتدي ومَن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، أما بعد:
إن من أبرز مقاصد دين الإسلام إقامة العدل وتأسيسه، ومنع الظلم بشتى صوره وأشكاله، فالقسط والعدل هو غاية الرسالة المحمدية، بل هو غاية الرسالات كلها..
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: من الآية 25)،
عدلٌ ينظم ميادين الحياة كلها، ويعم حقوق الخالق والمخلوق جميعها، ويشمل الأفعال والأقوال والتصرفات بشتى أشكالها..
عدلٌ في كل ميدان، وقسطٌ مع كل إنسان
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ (النحل: من الآية 90)،
وإن من أبرز أسباب إقامة العدل وأظهر ركائز القسط القيام بالشهادة، ومعرفة أهميتها ودورها في المجتمع، ومراعاة حقها والواجب نحوها، إذ هي معيارٌ لتميز الحق من الباطل، وحاجزٌ يفصل الدعاوى الصادقة من الكاذبة، حتى قال بعضهم: "الشهادة بمنزلة الروح للحقوق، فالله أحيا النفوس بالأرواح الطاهرة، وأحيا الحقوق بالشهادة الصادقة".
*********************************
قال أهل العلم: وأداء الشهادة فرضٌ على الكفاية، إذا قام بها العدد الكافي سقط الإثم عن الجماعة، وإن امتنع الجميع أثموا، وإذا لم يكن هناك غير ذلك العدد من الشهود الذين يحصل بهم الحكم، وخيف ضياع حق العبد، وجبت على الإنسان حينئذٍ وجوبًا عينيًّا،
يقول- جل وعلا- في جميع ما تقدم: ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ (البقرة: من الآية 282)،
ولئن كان الأمر هكذا بالنسبة للتحمل والأداء، فإن ضده وهو الكتمان، أمرٌ مذمومٌ شرعًا ومبغضٌ طبعًا،
يقول- جل وعلا: ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: من الآية 283)،
قال بعض أهل العلم: ما توعد الله على شيء كتوعده على كتمان الشهادة؛ حيث قال: ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ فكتمان الشهادة جرمٌ عظيمٌ وإثمٌ كبيرٌ، يقول- جل وعلا- حكايةً عن شهود الوصية: ﴿وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنْ الآثِمِينَ﴾ (المائدة: من الآية 106).
**********************************
شهادة الزور واضحة الأضرار سيئة الآثار، ولا غرو ولا عجب، فهي تحول الشهادة عن وظيفتها إلى ضدها، فتكون سندًا للباطل بدل الحق، وعونًا للجور مكان العدل، وسببًا لطمس معالم الإنصاف وطريقًا لفساد الأحكام، وسبيلاً لتقويض الأمن وهدم الأمان ومن الناس من تتعين عليه الشهادة إظهارًا للحق وإحقاقًا له، ودحرًا للباطل ودفعًا له، فيتنصل من هذه المسئولية العظيمة ويتهرب منها، ويكتم الحق ولا يجرؤ على إظهاره، وبهذا الكتمان ضاعت حقوقٌ كثيرةٌ، وتمادى أناسٌ لا يخافون الله وتجرؤوا على عباد الله
**************************************** *******
احذر من كتمان الشهادة وإضاعة حقوق الآخرين بسببك، وخذلانهم وهم لا ناصرَ لهم إلا شهادتك، فإنه ما من امرئ يخذل امرأً مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه حرمته، إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته،
وفي البخاري قال- صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"،
قال رجلٌ: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره"
ولما جاء الإسلام وجد أهل الجاهلية يتعصبون لقبائلهم وانتماءاتهم العرقية، ويفتخرون بذلك على غيرهم، فنهاهم عن تلك العصبية الممقوتة،
وقال صلى الله عليه وسلم عنها: "دعوها فإنها منتنة" حديث صحيح أخرجه الترمذي في الجامع ﺟ/5 ﺻ/417 برقم/3315؛
وذلك لأنه يترتب على هذه العصبية للأهل والأقارب اتباع الهوى، وغمط الحق، وإنكار العدل، وتسويغ الباطل، والرضا بالظلم، وهي كلها أمور تناقض تعاليم الإسلام السمحة، وتعارض قيمه النبيلة.
منقول
المفضلات