صحافة عربية وعالمية
بين الاخلاق والسياسة الحقيقية
بشرت العناوين الصحفية قبل بضع أيام بالكشف الصحفي الكبير في ظاهر الامر لصحيفة «الغارديان» البريطانية وفحواه ان اسرائيل عرضت على جنوب افريقيا في 1975 سلاحا يمكن تفسيره بأنه سلاح ذري.
أنكر رئيس الدولة شمعون بيرس الذي عمل آنذاك وزيرا للدفاع، النبأ الذي اعتمد على كتاب ساشا بولاكو – شورانسكي، ويفهم من يقرأ الكتاب أن قضية صفقة الصواريخ (التي لم تحقق قط) هي احدى القضايا الاقل مركزية في الكتاب. أقترح على كل واحد قبول تذكار الرئيس لكن أن يتعلم درس «الحلف الذي لا يتحدث عنه» – وهو اسم كتاب المؤلف.
في السبعينيات، بعد حرب يوم الغفران، بلغت اسرائيل واحدة من أدنى لحظات الحضيض في تاريخها. كانت تلك هي السنين التي اتخذت فيها الجمعية العامة للامم المتحدة القرار المخيف الذي سوى بينن الصهيونية والعنصرية، وقطعت دول كثيرة علاقاتها الدبلوماسية بنا، ومن جملتها جميع دول افريقيا تقريبا التي أكثرت اسرائيل الاستثمار فيها في الستينيات.
في الآن نفسه ازدادت المواجهات بين البيض والسود في جنوب افريقيا، وابتعد العالم عن دولة الفصل العنصري، أما النظام العنصري في هذه الدولة فأراد توثيق العلاقات باسرائيل.
كانت تلك علاقات اقتصادية وعلاقات أمنية كانت أهميتها كبيرة في نظر جنوب أفريقيا بسبب العلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة. بخلاف دول أخرى اقامت علاقات سرية بهذه الدولة، أجرت اسرائيل في السبعينيات زيارات ولقاءات رسمية مع رؤساء الفصل العنصري، وفي ضمنها زيارات رؤساء النظام الى اسرائيل.
وقد أقامت اسرائيل علاقاتها الأمنية الوثيقة سرا.
كان ذلك حلفا فظيعا. سوغت الحكومة ذلك بأن العالم منافق وبأنه مع عدم وجود أصدقاء آخرين يجب الاكتفاء بما يوجد، وكأنه توجد جماعة يهودية كبيرة في جنوب افريقيا ومن المهم الحفاظ من أجلها على علاقات جيدة بالسلطات.
وكانت اسرائيل مقتنعة أيضا بأن سلطة الفصل العنصري ستقوم سنين كثيرة بعد، وشبهت منديلا بعرفات ولم تشأ انشاء أي علاقة بالتحالف الذي كان يرأسه نيلسون مانديلا. أصبحت اسرائيل وجنوب افريقيا دولتين برصاوين أيد بعضهما بعضا. في 1977 اتخذت الامم المتحدة قرار وقف بيع جنوب افريقية السلاح، وتجاهلت اسرائيل القرار. فاقت حكومة بيغن – وايزمن حكومة رابين – بيرس في هذا الشأن، وبعد ذلك بعشر سنين فقط اعترفت اسرائيل بأنها كذبت العالم.
عندما أردت، وقد كنت المدير العام لوزارة الخارجية، في 1986 فرض عقوبات على جنوب افريقيا كما صنعت آنذاك جميع دول العالم، جابهت سورا حصينا من أعضاء المجلس الوزاري المصغر من الليكود والعمل الذين وعظوني باسم «السياسة الواقعية» ازاء السذاجة وطيبة النفس.
وفي نهاية الأمر فرضت اسرائيل عقوبات على جنوب افريقية في خلال 1987 وذلك في الأساس لان رئيس الحكومة آنذاك، اسحاق شامير جند نفسه للنضال الذي دبرته، وانضم اليه شمعون بيرس الذي تولى وزارة الخارجية مخالفا موقف جهاز الأمن كله، والموساد على رأسه.
العلاقات اليوم بين اسرائيل وجنوب افريقية بعيدة من أن تكون علاقات صداقة. فما يزال رؤساء تحالف اي أن سي الذين يصرفون أمور الدولة اليوم يذكرون الشراكة مع نظام الفصل العنصري، لكن لولا تلك العقوبات لما استطعنا أن نقيم اليوم علاقات دبلوماسية بهذه الدولة المهمة.
وهذا أمر يبرهن على أن السياسة الخارجية الاخلاقية (او اليهودية اذا شئتم) هي – في أكثر من مرة – السياسة الأكثر عملية أيضا.
يوسي بيلين
اسرائيل اليوم الاسرائيلية
المفضلات