لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما يئس من رحمته
ولو يعلم المؤمن ما عند الله من العذاب ما طمع في جنته أحد
السموات والأرض مسلمة لله:
لا يوجد من خلق الله خارج عن الطاعة الاختيارية إلا كفار الجن والإنس فقط من جميع الموجودات، وأما سائرها فهي مسلمة لله طوعاً.
فالجمادات التي لا نعلم نحن لها إرادة، ولا نرى لها سمعاً ولا بصراً، الحق أن لها إرادة ولها سمع وبصر وحس وإدراك، يعلمه منها خالقها سبحانه وتعالى.
فالرب سبحانه وتعالى يخاطبها بخطاب العقلاء، ويأمرها وينهاها، وهي ممتثلة له بإرادتها واختيارها، ولها من الأحاسيس المرهفة ما لا يوجد في الإنسان الكافر الذي أظلمت نفسه وفسد حسه، وانطمست بصيرته، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أنه خاطب السموات والأرض يوم خلقها، وأنها أجابته سبحانه وتعالى ممتثلة لأمره. قال تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءاً للسائلين* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين* فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم} قالتا: أتينا طائعين بجمع المذكر السالم الذي يستعمل للعاقل ولم تقولا أتينا طائعات.
وقال تعالى: {إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت} ومعنى أذنت: أي استمعت.
وقال تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله}.
وقال صلى الله عليه وسلم: [هذا أحد جبل يحبنا ونحبه].
وقال صلى الله عليه وسلم: [إني لأعلم حجراً كان يسلم علي وأنا بمكة]، وكان الصحابة يسمعون تسبيح الحصا في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة فلما صنع له المنبر وقام الرسول عليه في أول جمعة، بكى الجذع وصرخ صراخاً سمعه أهل المسجد، ونزل النبي من المنبر وأتى الجذع فالتزمه.. الخ، وأدلة إدراك هذه الجمادات أكثر من أن تذكر هنا ويكفيك فيها قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء}.
وقوله تعالى: {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}.
وقوله تعالى: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفوراً}.
وهكذا فالخلائق جميعها ربها واحد، وإلهها واحد، وهو الله سبحانه وتعالى الذي لا رب لهم سواه ولا إله لهم غيره. ولم يشذ عن الطواعية لله، وعبادته اختياراً إلا كفار الإنس والجن فقط دون سائر ما خلق الله في السموات والأرض، وخروج هؤلاء الكفار من الإنس والجن عن طاعة الله اختياراً لا يعني أنهم غير مسلمين لله قهراً وجبراً، وكرهاً، وذلك أنهم مسلمون له سبحانه وتعالى بالجبر والكره، فمشيئة الله نافذة فيهم، وقضاؤه وقدره حتم عليهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لهم لم يكن، ولا مشيئة لأحد منهم إلا أن يشاء الله، فهو الذي شاء أن يضلوا ويكفروا، ولو شاء أن يهديهم لهداهم، ولو شاء ألا يكفروا لما كفروا، ولو شاء ألا يشركوا به ما أشركوا، ولكنه خذلهم وحرمهم الهداية لأنهم لا يستحقونها، وليسوا أهلاً لها. قال تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا أباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون* قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}..
الرحمن، وليس لرحمته منتهى
لا يمكن للعباد أن يعرفوا الله علي الحقيقة، وأن يؤمنوا به الإيمان الصحيح إلا إذا علموا أن الرب سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم، وأن عذابه هو العذاب الأليم.
وما لم يعلم العباد هاتين الصفتين على الحقيقة يضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. قال تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم}..
وقال صلى الله عليه وسلم: [لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما يئس من رحمته أحد، ولو يعلم المؤمن ما عند الله من العذاب ما طمع في جنته أحد]!!
بهاتين الجملتين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر الإيمان بصفات الجمال والجلال للرب العظيم سبحانه وتعالى، واختصر الطريق أمام من يريد أن يعرف صفات الرب على الحقيقة.
المفضلات