أ.د. صلاح جرّار
النزيه هو الشخص الذي إذا وجد نفسه وجهاً لوجه مع كميات كبيرة من المال والأشياء النفيسة تعود لغيره ولم يكن عليه أيّ رقيب أو حسيب لم تحدّثه نفسه بأنّ يمدّ يده لأخذ أي شيء منه مهما صغر أو كبر.
والشخص النزيه هو الذي إذا احتكم إليه خصمان وكان أحدهما صديقه أو أحد أقاربه لم تحدّثه نفسه لحظة واحدة في مخالفة ما يقتضيه الحق والعدل في الحكم بينهما.
والشخص النزيه هو الذي إذا فوّض في اختيار شخصٍ لملء شاغرٍ وظيفي في إحدى المؤسسات لم يحد عن الأسس المحدّدة للمفاضلة والاختيار حتّى لو كان أحد المتقدمين للوظيفة مدعوماً أو مقرّباً من شخصية متنفذة.
والشخص النزيه هو الذي يحافظ على المال العام ومال غيره محافظته على ماله الخاص وأملاكه الخاصّة.
والشخص النزيه هو الذي إذا أخطأ معه شخص أو مؤسسة وأعطاه من المال أو غيره أكثر من حقه أعاده إليه حتى لو كان ذلك الشخص أو المؤسسة ممّن لا يحبّهم.
والشخص النزيه هو الذي يمتلك صلاحية اتخاذ القرارات المالية والإدارية التي يستطيع من خلالها أن يخدم نفسه وأقاربه وأصدقاءه كيفما يشاء، ولكنه لا يقدم على اتخاذ أي قرار يخالف فيه الحقّ والعدل.
والنزيه هو الذي يلتزم بالقوانين حتّى لو كان في مأمن تام من وجود أيّ رقيب أو حسيب.
والشخص النزيه هو عفيف النفس، والزاهد في ما ليس من حقّه الصادق مع نفسه وغيره، المتجرد من كل الاعتبارات الشخصية عند الحكم على الناس، والملتزم بالعدل والحقّ والقوانين والتشريعات والأعراف التي يجري عليها الناس.
إنّ النزاهة قيمة أخلاقية واجتماعية تنبثق من داخل النفس وتتشكل في النفس من خلال الظروف الاجتماعية والتربوية المحيطة بالشخص منذ مولده، فمتى نشأ الطفل في أسرة يتعامل أفرادها بعضهم مع بعض ومع غيرهم بالخلق الكريم والنزاهة وعفّة النفس ومراعاة حقوق الآخرين، فإنه يكتسب هذه القيم وتصبح جزءاً من سلوكه اليومي، ولا يتأثر بأيّ إغراءات أو ظروف طارئة.
إنّ أزمة النزاهة في أيّ مكان ليست في قلّة القوانين أو نقصها، وإن كانت القوانين تحتاج باستمرار إلى المراجعة والتطوير والتفعيل، لكن ما تحتاج إليه النزاهة هو توفير البيئة المناسبة لنشوئها وتعزيز قيمة النزاهة أخلاقياً واجتماعياً وحث الناس على الارتقاء بالنفس إليها من خلال الوسائل التربوية والثقافية والإعلامية والدينية وسواها.
وهنا تأتي المطالبة بضرورة مراجعة فلسفة التربية والتعليم ومناهجها، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية والإعلامية والدينية في توجيه الناس نحو القيم الأخلاقية والإنسانية البناءة، وبناء الإنسان الصالح القادر على تطوير المجتمع ونهضته وتقدّمه.
المفضلات