صوت كركبة وصحون تتكسر وخبط ماله اول ولا آخر , ضجيج يخترق سكون هذا الليل , أصوات منتحبة منها ما يقول : " مشان الله يابا مش قدامي " .
أصوات اخرى تقول : " اذكر الله يابو صالح " .
وصوت ابو صالح يقول : اذبحه يابا اقضي عليه اللي ما بستحي , اقتله وسيح دمه هالملعون .
اسمع صوت صالح يقول : مش قادر يابا , قلبي مش مطاوعني .
يعود صوت أبو صالح فيقول : مش قادر يا خرع ؟ والله منت زلمة , يابا يا عزام , هات مسدسك وطخه بين عيونه وخلص الناس منه .
صوت عيار ناري يترك صدى مروع , ويتبعه صوت ابو صالح ليقول : عفيه , عفيه يابا يا عزام, ايوه هيك , هي الرجال والا بلاش . مو زي الساقط صالح .
صوت ام صالح تولول : ياويلي , ياويلي انفضحنا , وراح الولد يابو صالح , يمه طخيته بفرد الشرطة ؟ والله غير تيجي الشرطة وتحبس هالولد , خلص ضاع الولد , ضاع الولد .
انكمشت في سريري مرتعدا وخائفا , واصابتني رعدة وقشعريرة من هذا الموقف , ماذا حصل عند دار ابو صالح , منو اللي طخوه , وخفت أن يأتيني الدور كوني متخلف عن دفع الاجار منذ ثلاثة شهور لابو صالح .
سمعت همسا , استرقت السمع , ماذا ... ماذا يتهامسون ...؟؟
سمعت صوت ابو صالح يقول : خذه يابا يا عزام وادفنه تحت شجرة التين , ولا من شاف ولا من درى , وانتو يالله كل واحد يروح ينام وانسوا هالموضوع .
نظرت من شرفتي ومن خلف الستارة , رأيت عزام يحمل مجرودا , ويسير باتجاه شجرة الزيتون , توقف عندها , حفر حفرة , صغيرة , ثم عاد فطمرها , وعاد من حيث اتى .
لم استطع في تلك الليلة النوم , وبقيت ارقا حتى بزغ النهار , لبست ملابسي , وانتعلت نعالي , وخرجت . صادفتني مجموعة من اطفال الحي , كان من بينهم ابن ابو صالح الصغير المدعو " حمزة " فسمعته يقول لاصحابه :
...... واجا اخوي عزام وطخه والا هو ميت بارضه ......
اقتربت منه وسألته : عمو يا حمزة , مين اللي انطخ .
فاجاب : فار بظل في المخزن وبوكل القمحات وبخرب الشوالات .
قفلت له : فار ؟؟
فقال : آه .. فار , - وأشار بين يديه - هالقد ( ) .
صعقت . ولكني بسمت وضحكت , وغادرت وأنا اقول في نفسي , لم انم ليلة كاملة من الخوف , وكذلك لم تنم ابنة ابو صالح ( دلال ) , كل ذلك من اجل ماذا , من أجل فأر ؟
فلماذا كنا سابقا ننام نوما عميقا مباشرة , بعد ان نرى شلالات الدم الانساني في غزة والعراق.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
المفضلات