ظن كفار مكة أن الأنبياء يريدون بدعوتهم الدنيا والمناصب، أو الزعامة والرئاسة، ولذلك تقدموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه المحاولة، وهي إغراؤه بالمال والملك، والرئاسة والسيادة، ولكنهم فشلوا في ذلك .
ذكر ابن هشام في سيرته عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال:
( أرسَلَتْ قريشٌ عُتْبَةَ بنَ ربيعةَ - وهو رجلٌ رَزِينٌ هادىءٌ - فذهب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمتَ من المكان في النسب، وقد أَتَيْتَ قومَك بأمرٍ عظيمٍ فَرَّقْتَ به جماعتهم، فاسمَعْ مِنِّي
أَعْرِضْ عليك أمورا لعلك تقبل بعضها، إن كنتَ إنما تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنتَ تريدُ شَرَفا سَوَّدْناكَ علينا، فلا نقطع أمرا دونك، وإن كنتَ تريدُ مُلْكًا مَلَّكْناكَ علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئْيًا
( مس من الجن ) تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك الطِّبَّ، وبَذلنا فيه أموالَنا حتى تبْرَأَ .. فلما فرَغَ قولُه تلا رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صَدْرَ سورة فُصِّلَتْ :
« حم ، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ، وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ، قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ «
(فصلت: 1 : 7 )،
حتى وصل إلى قوله تعالى: « فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ « (فصلت: 13).
إن الإغراءات والمساومات التي عرضتها قريش على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورفضها، جاءت لتقطع السبيل إلى كل ظن وتشكيك بمقصده ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قيامه بالدعوة، ومع هذا، فقد بقي البعض ممن احترف الغزو الفكري يؤثر القول بأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كانت له دوافع سياسية، وكانت له رغبة في السيادة والملك، وممن قال هذا القول من المستشرقين كريمر الألماني وفان فلوتن الهولندي .
والرد عليهم واضح جلي، من خلال جواب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عُتبة في رواية أخرى لابن هشام وابن كثير بقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: ( ما جِئتُ بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا وفي الآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ) .
منقول عن الرأي
المفضلات