أ. د. محمد الحسن شاذلي
تحدث الكاتب في الجزء الاول للامن الغذائي من حيث تعريفه وأنواعه وعلاقته بالفقر وتذبذب الانتاج والعناصر الاستراتيجية له وتحديث نظم انتاج الحبوب الغذائية وانشاء وتكلفة وفاعلية المخزون الغذائي.
في المقال الثاني والمتعلق بتخزين الحبوب الغذائية تطرق الكاتب الى أهمية واغراض ودور التخزين في الاقتصاد القومي ووسائل التخزين وتكلفته والفاقد والتلف. وفي هذا الجزء الثالث والأخير يستكمل الكاتب حديثه عن تخزين الحبوب الغذائية.
---
تمهيد:
الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو الزخم المتصاعد في أجهزة الإعلام والمنتديات المختلفة حول الوضع المتأزم للأمن الغذائي القومي والعربي والعالمي. وتعزى حالة التأزم هذه إلى عوامل كثيرة مختلفة ومتباينة ومن أهمها الاحتباس الحراري وتداعيات التغير المناخي . و بسبب ذلك يشهد العالم حالياً اشد الأوقات حرارة وبرودة حيث الطقس و المناخ أصبحا أكثر تقلبا . إن الارتفاع في درجات الحرارة قد جلب على الأرض الجفاف والحرائق والكوارث والأعاصير والعواصف المدارية .كل ذلك ترك أثاراً مدمرة وسالبة على القطاع الزراعي وخاصة انتاج الحبوب غير المستقر أصلا. كما إن إنتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية فاقم الوضع وجعله أسوأ وأشد خطورة مما كان عليه . و ذلك بسبب التنافس مع الحبوب الغذائية في الموارد الزراعية المحدودة (من ارض و ماء و عمالة...الخ ).
مقدمة :-
كل هذه العوامل وغيرها أدت إلى النقص الحالي في الغذاء غير المسبوق. و هذا أدى بدوره إلى الارتفاع الكبير في أسعار الحبوب الغذائية في السنوات القليلة الماضية وعلى مستوى العالم . و أكثر الدول تأثراً بانعدام الأمن الغذائي وتضرراً من ارتفاع هذه الأسعار هي الدول النامية والتي ترزح تحت وطأة الإغاثة والإعانات.عوضا عن العمل على زيادة الإنتاج الزراعي المحلى من خلال إستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة وحشد الارادة السياسية وتجميع القدرات ومضاعفة الانتاج التي تحقق الاكتفاء الذاتي و الأمن الغذائي و تجعلها دولا مصدرة للغذاء و ليست مستوردة له. مما يساعد على نمو اقتصاد مستدام ورفع المستوى المعيشي و تخفيف حدة الفقر.
يعتبر الوطن او المجتمع آمنا غذائياً عندما لايعيش السكان في حالة من الجوع او الخوف من المجاعات . و بالمقابل فإن انعدام الأمن الغذائي هو عدم التعويل على امدادات غذائية اساسية كافية ومستدامة و يمكن الحصول عليها باسعار في متناول اليد خاصة الحبوب . و في كل الاحوال لا يمكن حل هذه المشكلة دون زيادة الانتاج الغذائى المحلي و الكافي، بالاضافة الى عدالة التوزيع و تخفيف حدة الفقر و انسياب الاحتياطي الغذائي من الحبوب و بصفة مستمرة و على مدار العام ولابد من تخزينه في مواعين صالحة وفي مواقع مناسبة. ذلك لان الحبوب الغذائية تصاب خلال التخزين بأنواع مختلفة من الآفات تتسبب في نقص كمى ونوعى بالاضافة الى تدني سلامة الغذاء . و كما هو معلوم فإن الأمن الغذائي و التخزين امران متلازمان و وجهان لعملة واحدة. و ليس هنالك أمن غذائي او تسويق دون تخزين.
تخزين الحبوب في الأرياف و الأمن الغذائي:
إن معرفة إستراتيجية الاحتفاظ بمخزون الحبوب في الأرياف وبالذات في المناطق شبه الجافة - معدومة و على أحسن الفروض محدودة للغاية. وحتى الآن لم تؤسس أية سياسة قومية لتخزين الحبوب تعتبر التخزين الأسري كمكون مفتاحي لمخزون الحبوب القومي . و لذلك لابد من مراجعة و تنقيح السياسات القومية بحيث تأخذ في الاعتبار أهمية مخزون الحبوب الأسري في الأرياف بالنسبة إلى مخزون الحبوب القومي و العمل على الاحتفاظ به في الأرياف من خلال السياسات التسعيرية والائتمانية المحفزة. و مثل هذه السياسات يمكن النظر إليها كوسيلة لتخفيض تكلفة الاحتفاظ بالمخزون الغذائي القومي و كذلك كوسيلة لتخفيض تكلفة ترحيل الحبوب للمناطق المحتاجة عند حدوث أي نقص في الإمدادات . و لذلك يجب توجيه جزء من المجهود المستخدم في الحفاظ على مخزون الحبوب المركزي (الاحتياطي القومي ) في جمع معلومات أفضل عن المخزون الريفي، بالاضافه الى تشجيع أساليب و ممارسات تخزينيه أكثر كفاءة و ايجاد تقانات تخزين متقدمة تمكن من تقليل الفاقد وزيادة مدة فترات تخزين الحبوب الغذائية. إذا تم ذلك فان العائد من تخزين الحبوب الغذائية سيكون عالياً، وأعلى من عائد الاستثمار الإضافي في مخزون الحبوب المركزي.
إدارة التخزين :
إدارة التخزين تستلزم إجراءات علمية تهدف الى الحفاظ على المخزون بحالة جيدة . و تتضمن العناصر الاتية:
* إدارة المخزن :
و تشمل الصلاحية و الموقع و الصيانة العامة و الملائمة للمواصفات و الاشتراطات العلمية لإنشاء المنشآت التخزينية.
* إدارة المخزون:
و تشمل صلاحية الحبوب للتخزين و المراقبة و المتابعة و الفحص الدوري للمخزون و طريقة السحب في الوقت و المكان و السعر المناسب، وتحديد الفقد و أسبابه و تكلفته.
*إدارة الآفات:
و تهدف الى الحصول على غذاء صحي و خالٍ من التلوث بالآفات و إفرازاتها و الكيميائيات التي تستخدم لمكافحتها . و تتضمن المعرفة بالآفات طرق مكافحتها بأقل تكلفة. كما يتطلب في إدارة الآفات الإجراءات المتكاملة والفاعلة في تقليل الفاقد و بالتالي تخفيض التكلفة.
إستراتيجية تطوير تخزين الحبوب الغذائية:
تتلخص ألاستراتيجية في الأتي:
* خلق بيئة صالحة و داعمة للاستثمار في المنشآت التخزينية (مخازن و صوامع).
* تقييم القوة و الضعف في انظمة التخزين المختلفة التقليدية والحديثة.
* إنشاء وتشييد المواعين التخزينية حسب المواصفات .
* إدارة المخزن و المخزون بأساليب و طرق فاعلة.
* التدريب و رفع القدرات في مجال التخزين.
خاتمة:
إن حصول الفرد أو المجتمع على الغذاء حق من الحقوق الأساسية . إذ لايمكن لاىة دولة أن تحافظ على نسيجها الاجتماعي وكرامة ومثل مواطنيها إذا حرم إنسانها من هذا الحق في ظل انعدام الأمن الغذائي. إن الاهتمام بالأمن الغذائي يعود لأسباب إنسانية واقتصادية وسياسيه واجتماعية. ولذلك لابد من توفير الأمن الغذائي حتى ولو كان ذلك على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفى كل الأحوال يقع العبء الأكبر والمسئولية المتعاظمة على الحكومات الوطنية.
إن الأمن الغذائي بالمعني الذي عُرف به هدف مثالي يجب على المختصين و متخذي القرار العمل لتحقيقه . و العنصر المفتاحي لهذا الهدف هو زيادة الإنتاج الغذائي مع ثباته و استقراره واستدامته . بالاضافه إلى ذلك هنالك حاجة لتمكين الناس من الحصول عليه . كما إن النواحي الصحية و التغذوية متضمنة في هذا الهدف لان الحياة الصحية و النشطة تحتاج إلى صنف الغذاء الصحيح بالاضافة إلى نوعيته و كميته . لذلك فان إجراءات الحد من الفقر أمر في غاية الأهمية. ذلك لان الوصول إلى الغذاء ما هو إلا مسألة تتعلق أو ترتبط بالقوة الشرائية أو التبادلية .
إن الاستعداد التام و الاستجابة السريعة و المناسبة لمواجهة حالة الجفاف و الفجوات الغذائية و الأزمات الاخرى من متطلبات بلوغ أهداف الأمن الغذائي . إذ أن الأمن في هذا السياق يعني إزالة الخوف و تخفيف الآثار الضارة للفجوات و العجز الغذائي و المجاعات. ومن أهم عوامل و عناصر الاستقرار و الجهازيه لمقابلة و مواجهة انعدام الأمن الغذائي هي نظم المخزون الغذائي وتوافر المعلومات و ردة الفعل بالاضافة إلى مؤسسية اتخاذ القرارات الصحيحة للفعل المناسب في الوقت المناسب.
إن تقييم نظم اى مخزون غذائي و من حين إلى آخر مسألة ضرورية و لها منافع . إذ أنها تبين ما إذا كانت الأهداف المعلنة قد تم تحقيقها . أو إن كان غير ذلك ما هي العقبات و المشاكل و كيفية حلها. إن المخزون لا يهدف إلى الربح و لكن في نفس الوقت يجب تخفيض تكاليفه إلى ادنى حد . و لذلك لابد أن يكون المخزون الغذائي تحت مظلة الحكومة القومية إذا أريد له أن يحقق أهدافه.
المفضلات