ملحق الشباب
أطفال بلا طفولة
صدام الخوالدة
لا شيء يجمعهم من صفات الطفولة إلا أنهم في تلك المرحلة العمرية، هم فقط في عمر الأطفال.. ينتابك شعورٌ نحوهم يجعلك لا تمرّ من أمامهم إلا وترغب في الحديث إليهم، لتسبر أغوار شخصياتهم.
مجحم ومصلح وعناد.. نماذج حيّة على نمط حياة شاقة يعيشها هؤلاء الأطفال وغيرهم من أطفال البادية الشمالية، ومع ذلك لا ترى على وجوههم إلا ابتسامة تنبع من قلوبهم لأنهم لا يعرفون زيفا أبداً هكذا تعلمهم الصحراء.
تخونك كل التعابير والكلمات لتضطر أن تقف صامتاً لتعرف من أين ستبدأ بالكلام مع أحدهم وهم في ساعة لهوهم أو ساعة ممارسة هواياتهم التي تفرضها طبيعة المنطقة عليهم.
لدى اقترابي منهم وكلما حدقت في أحدهم أكثر؛ شعرت بأنني اكتشف شيئاً جديداً فهم يمسكون بأيديهم ألعاباً تصلح أن تكون أي شيء إلا أن تسمى ألعاباً لأطفال في هذه المرحلة من العمر.
مجحم -الاصغر سناً -كان يرتدي ثوباً وكان يبدو به رائعاً إلا انه اختلف كثيراً لدى اقترابي منه حيث بدا واضحاً أن الدهر عفا على ثوبه أو أنه يلبسه منذ فترة لا تقل عن شهر أو أنه لباس النوم واللعب والعمل (السراحة وتربية الأغنام وتعليفها...).
أخبرني مجحم بأنه ترك المدرسة منذ الصف الثاني الابتدائي قائلاً «أنا لا أحب المدرسة»، لأقاطعه و«أبوك يقبل ذلك؟»، ليبتسم ويقول «أبي هو الذي أخرجني من المدرسة لأساعده في أعمال تربية الأغنام».
وأضاف «لست وحدي أنا وجميع إخوتي لا نذهب إلى المدرسة».
وتعتبر نسبة التسرب من المدارس في مناطق البادية مرتفعة حيث يضطر الأب لإخراج أبنائه من مدارسهم ليساعدوه في تحمل أعباء الحياة، سيما وان نسب الفقر ترتفع هي أيضاً في مجتمع البادية.
وروى الطفل مصلح البرنامج اليومي لأقرانه من الاطفال الذين يعيشون في مجتمعه حيث يرتحلون من منطقة إلى أخرى حسب ما يلبي مطالب أغنامهم من الرعي.. من استيقاظهم صباحاً إلى موعد نومهم اليومي الذي يكون في «الساعة الثامنة والنصف» (في مثل هذه الأيام).
وأوضح «نعيش في خيمة، وعلى الجميع أن ينام في تلك الساعة لأن الفانوس (مصباح زيتي) سوف يطفأ، أما ساعات النهار فبعد أعمال تربية الأغنام وتعليفها، نذهب لقضاء أوقات فراغنا في ألعابنا المعتادة المتوافرة لنا وأبرزها لعبة المقناص (المقليعية)»، التي يستخدمونها لإظهار براعتهم في صيد الأشياء.
أما لعبتهم الأخرى «المفضلة» كما قال الطفل مجحم فهي «دحرجة عجلات السيارات».
عندما تستمع إلى كلام أولئك الأطفال وهم يروون تفاصيل حياتهم «السعيدة» كما يرونها؛ تتفاجأ بسعة صدورهم ومحبتهم للكلام.. فهم أبناء الصحراء التي لا تضيق بأحد وهم كذلك يفردون أيديهم للعابر إن أراد السير على صحرائهم.
هم ليسوا أطفالاً فما يقومون به من أعمال تساوي أعمال رجل بالغ راشد حيث ترى روح المسؤولية والعزيمة الكبيرة ترتسم على محياهم حتى أنني ظننت أن رجلاً كبيراً يخاطبني عندما طلب إليَّ مجحم أن أذهب معه إلى بيتهم دون أن يخجل من فقره ومن خلال نبرة صوته حسبته يشير إلى منزلٍ فارهٍٍ إلا أن بيتهم عبارة عن «براكية زينكو» وخيمة صغيرة.
المفضلات