سيتوقف العدوان إن ليس اليوم أو غداً أو بعد غدٍ فخلال أيام قليلة لكن الإنسحاب من غزة سيطول وربما أيضاً فتح المعابر فهذه العملية ستخضع للعبة سياسية معقدة عنوانها الإتفاق الأمني الذي وقعته إسرائيل مع إدارة جورج بوش المغادرة والذي سيلتزم به حرفيّاً باراك أوباما الذي لابد وأنه أُستشير فيه مسبقاً ووافق عليه وتعهد بتنفيذه بحذافيره وأكثر .
كل المطالب التي جاءت خارج إطار المبادرة المصرية ، المدعومة من الأردن والمملكة العربية السعودية والمؤيدة من دول عربية أخرى من بينها المغرب وتونس واليمن والإمارات العربية المتحدة ، لن ينفذ منها شيئا فهناك معادلة جديدة أفرزتها حرب غزة وهذه المعادلة هي التي ستحكم المسار الفلسطيني كله في المرحلة المقبلة التي ستختلف عن سابقتها إختلافاً جذريّاً وفي أشياء كثيرة .
كانت الأهمية ولازالت بالنسبة للمملكة الأردنية الهاشمية ومصر والمملكة العربية السعودية ودول أخرى هي وقف إطلاق النار ثم بعد ذلك لكل حادث حديث إذْ عندما تذبح غزة من الوريد الى الوريد على هذا النحو وتدمر بكل هذه الطريقة الوحشية وعندما تمزق القذائف أجساد الأطفال الفلسطينيين فإن المفترض أنه لا مكان لكل السفسطات التي أُتخمت بها الشوارع العربية والصحف العربية والفضائيات العربية وأن الأولوية تصبح لرفع السكاكين عن رقاب أبناء الشعب الفلسطيني الذين تطاردهم الطائرات الكاسرة كما تطارد الوحوش الضارية فرائسها في المناطق النائية .
لا أولوية إلا لوقف شلالات الدماء ووقف ذبح الشعب الفلسطيني بهذه الطريقة الجنونية فالمهم إن يتم هذا وبأسرع وقت ممكن وبعد ذلك فإن هناك متسعاً من الوقت للنثر والشعر والشعارات.
لقد كان واضحاً منذ اليوم الأول للحرب عدم وجود موازين قوى يمكن الإعتماد عليها لإطالة أمد العدوان وإستنـزافه فسلاح أهل غزة الفعلي والحقيقي هو أجساد أطفالهم وهو الصرخات المكبوتة والصبر الذي لا حدود له ولقد كان واضحاً منذ اليوم الأول لمعْمودية الدم هذه أنه لا زحف لجباً على الطريق وأن الآهات التي تطفح بها الشوارع لا تحمي طفلة فلسطينية من ان تمزق جسدها قذيفة مسعورة ولا تقدم ما يدفع الألم عن أمٍّ ثكلى تبحث عن أشلاء أطفالها في منطقة مرت عليها جنازير الدبابات الإسرائيلية المتوحشة .
ولهذا فقد قالنا منذ اللحظة الأولى ، وبقينا نكرر هذا القول الى الآن ، ان الأولوية هي لوقف الحرب ولجم العدوان وأنه على العرب شعوبّاً وأنظمة ان يؤجلوا الخلافات والمزايدات والمناكفات.
إنها نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة وأن المفترض بعد وقف العدوان ان يتصرف الأشقاء الفلسطينيون بطريقة غير الطريقة السابقة التي حكمت علاقاتهم الداخلية وأن المفترض ان يُلملم العرب وضعهم المزري وأن يواجهوا ما سيترتب على هذه الحرب من معادلات ستستجد ولو بالحد الأدنى من التصافي وتغليب المصالح العليا على الأمزجة والحسابات الصغيرة .. وإلا فإن التاريخ لن يرحمهم .. والمقصود هنا هو الشعوب والأحزاب والتنظيمات قبل الأنظمة .
المصدر
جريدة الراي الاردنية
__________________
المفضلات