محمود الناكوع
وسائل الإعلام المعاصر أصبحت قوة مؤثرة بشكل يجعلها من أقوى السلطات المهيمنة فى حياة الناس . وازدادت واتسعت فاعليتها بفضل ثورة الاتصالات التي تغطى عالم اليوم بتقنية سهلة الاستعمال وسهلة الانتقال من مكان إلى آخر .
وهذه الوسائل تتعامل في تغطيتها للأحداث وفى برامجها الحوارية والتوجيهية مع الكلمة ومع الصورة طبقا إما لسياسات وبرامج مدروسة وهادفة ونافعة للناس، وإما أن تتعامل معها بأشكال فوضوية أي بدون سياسات وبدون برامج ولكن باجتهادات فردية وتصورات شخصية ومن أفراد وربما من مجموعات غير مؤهلة تأهيلا علميا يساعدها على أداء دورها الإعلامي بطرق ايجابية وذات مردود مفيد للدولة والمجتمع .
وهناك من يفهم حرية التعبير دون أن يحسب حدود تلك الحرية وخاصة ما يتعلق بحقوق الآخرين . وفوضى الاعلام الآن تعكس حقيقة التجاوزات والأغلاط التي تمارس عبر وسائل الإعلام، وخاصة التلفاز والمذياع والصحافة المكتوبة .
ولعل ما نشاهده من حملات تستهدف الاشخاص ولا تستهدف الأفكار والسياسات والبرامج هي من أخطر ما يهدد العلاقات الاجتماعية والإنسانية .... وما يزيد الأمور سوءا عندما يتولى مجموعات من الناس ادارة وتسيير وسائل إعلام مهمة وهم لا يتمتعون بالقدرات والمؤهلات المناسبة للدور المنوط بهم .
في هذه الحالات يصبح العمل الإعلامي حالة من الفوضى في الادارة وفى البرامج ويشكل عمل الإعلاميين غير المحترفين وغير المؤهلين خطرا على الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية .
إن أكثر من أربعين عاما من حكم فردي استبدادي قد خلف ثقافة بائسة نستطيع أن نلاحظها في آراء وسلوك كثير من الناس وهذه الثقافة البائسة وشديد السلبية تنقلها إلينا وسائل الإعلام عبر برامج الحوارات وعبر الاتصالات والمداخلات وعبر البرامج الاخبارية .
العمل الإعلامي في ليبيا يتطلب الآن إنشاء " مؤسسة إعلامية وطنية " شبه مستقلة ، أي أن تمويلها من الدولة وتدار من قبل " مجلس ادارة " من أصحاب الخبرة والكفاءات والمشهود لهم بالمعرفة والأمانة ويكون لمجلس الادارة الحرية الكاملة في تسيير المؤسسة مع الالتزام بوضع سياسات تحقق أهداف الثورة .
وهذه المؤسسة يعينها المجلس الوطني الانتقالي وتراقب من قبله حتى انتهاء المرحلة الانتقالية . وبذلك يمكن ضبط النشاط الإعلامي بسياسات ومعايير تجعله أكثر ايجابيه وتجعله أداة توحيد وانسجام مع تطلعات المجتمع نحو بناء دولة القانون .
فوضى الإعلام لا يمكن أن تساعد على بناء " دولة القانون " بل إنها تفتح الطريق لمنابر تدعى حرية التفكير وحرية التعبير ولكنها لا تلتزم بقيم وأخلاقيات الثورة تلك الأخلاقيات التي تضع مصالح المجتمع فوق كل الاعتبارات الشخصية والحزبية وفوق كل الأهداف الكسبية غير المشروعة .
وفى حال عدم تنظيم العمل الإعلامي وضبطه بما يخدم أهداف الثورة فإن الأمور قد تخرج عن السيطرة ويصبح التشويش والخلط والغلط هو الأكثر رواجا والأكثر سلبا في حياة الناس .
الثورة ورغم كل الصعوبات ورغم كل التحديات ما تزال بخير وما تزال في عمومها تتمتع بالتلاحم والتعاون في كثير من مجالسها الأهلية والعسكرية ... وفى الوقت ذاته ما تزال في حاجة إلى كثير من التطوير وتحسين الأداء حتى تكون أكثر استعدادا للدخول في مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها .
الثورة في حاجة ماسة إلى تنفيذ فكرة " المصالحة الوطنية " بثقافة ترتفع بكل الناس إلى مستوى قيم الاسلام التي تحث على الصلح بين الناس وتحث على العفو والتسامح .
لا يمكن أن نبنى دولة القانون إذا لم نؤسس لثقافة ومؤسسات دولة القانون ... وسيكون للمدارس والمساجد والجامعات والأحزاب والجمعيات المدنية أدوارا تكمل بعضها .
ليبيا الجديدة ... ليبيا الأمل والخير ينظر إليها العالم الخارجي بعيون المستثمر الباحث عن المكاسب المالية ... أما أبناؤها وبناتها فينظرون إليها ببصيرة أكبر من المكاسب المادية ... إنهم يريدونها بلد الأمن والأمان ... بلد الحرية والكرامة والعزة .... ويريدونها وطنا يتسع للجميع فى ظل دولة تحمى الجميع وتوفر العيش الكريم للجميع وبجهد وعطاء الجميع .
ويظل للإعلام دوره الكبير والمؤثر فى بناء ليبيا الجديدة .... وهو المرآة العاكسة للجمال كما القبح فجملوا إعلامكم حتى تجمل صورتكم فى عيونكم وفى عيون غيركم .
المفضلات