سيمرّ وقتٌ طويلٌ تجري خلاله مياه كثيرة تحت جسر الثورات الشعبية التي اجتاحت بعض البلاد العربية قبل أن تجد شعوب المنطقة محطةً تتوقف فيها لالتقاط الأنفاس، وتقدير المواقف، واستقاء العبر، ولأن الحراك جاء هذه المرّة بشكل عفوي ومفاجئ،وكرّدة فعل عنيفة على ارتفاع منسوب السطوة الفاشية لبعض الأنظمة العربية، لذلك غابت عنه الدقة والإحكام وتوزيع الأدوار، باستثناء الاتفاق على أن يكون تغيير الأنظمة هو الهدف المنشود، وأن يمشوا إلى هدفهم بخطٍ مستقيم تاركين المستقبل يصنع ُ نفسه بنفسه، ويتشكل وفق ما تمليه الظروف في حينه، وإذا كان الحراك الشعبي قد بدأ بتونس ومصر، ولن ينتهي بليبيا واليمن، غير أنّ الأمر بالنسبة لنا في الأردن مختلفٌ تماماً ، فبالرغم من أننا كنا وما زلنا على تماسٍّ وثيق بكل ما يجري في العالم العربي من أحداثٍ نتأثر بها ونتفاعل معها مدفوعين بثقافتنا العروبية والتزامنا القومي بمشروعنا النهضوي، إلا أنّ الأخوة العرب سلكوا في الأحداث الأخيرة طريقاً وسلكنا نحن طريقاً آخر يهدف إلى الإسراع في تنفيذ مطالبنا الإصلاحية، ووقفنا صفاً واحداً في محاربة الفساد، ولم نجد بحكم الدستور ووعي القيادة أيّ عائقٍ يحول بيننا وبين حقنا في التظاهر والاعتصام، بالإضافة إلى فتح الأبواب للحوار البناء وصولاً إلى الهدف المنشود، غير أنّ التحولات الديمقراطية غير المسبوقة التي يشهدها العالم العربي، وارتفاع وتيرتها المتسارعة يوماً بعد يوم توجب علينا توخّي الدقة والحذر للتأكد بأننا لا نمشي إلى أهدافنا الإصلاحية بروح القطيع لنحذو حذو الآخرين في كل خطوةٍ يخطونها، فظروفنا والحمد لله غير ظروف الكثيرين منهم الذين عانوا من قسوة الحكم الشمولي ما لم يترك لهم مجالاً لنيل حريتهم غير التضحية بأرواحهم، بينما انفردنا نحن وانفردت قبلنا قيادتنا بالسعي الحثيث لتحقيق الإصلاح الشامل، ولا يعني هذا أن لا نأخذ العبرة من كل ما يجري في محيطنا العربي لتسريع برنامجنا الإصلاحي الذي نباشره برغبة ذاتيةٍ لا نقلد بها أحداً، وهذا هو الهاجس الرئيس لصاحب القرار الذي التزم ببرنامجٍ محكوم بجدولٍ زمنيٍّ لا يحتمل التأخير، وإزاء ذلك فإنه ما عاد من المعقول أو المنطق أن نظل سادرين في مظاهراتنا لنجعل منها صنعةً عبثيةً دائمةً نُغيّبُ فيها الحوار البنّاء ونفتح بها الطريق أمام فئةٍ بعينها لتخرج على القانون بحد السيف وِشفار الخناجر، من غير أن ندرك أن ذلك يشكل عبئاً ثقيلاً وضغطاً نفسياً على السلطة صاحبة الشأن التي لم نتوقف جُمعةً واحدةً عن مطالبتها بالإصلاح ومحاربة الفساد، في الوقت الذي تنخرط حتى أُذنيها في هذين الشأنين اللذين توقفنا عندهما ونسينا أنّ ثمة تحدياتٍ كثيرةٍ أخرى توجب علينا إعطاء الوقت الكافي للسلطة التنفيذية لتنمية الموارد وضبط الميزانية واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد من البطالة والتضخم وتوفير البيئة اللازمة لتوسيع قاعدة الاستثمار وتطوير منتجاتنا الصناعية والزراعية ورفع كفاءتها التنافسية والتصديرية.
إننا أحوج ما نكون اليوم إلى الصبر على التنور الذي أوقدنا له النار الكفيلة بإنضاج رغيف خبزنا، ولم يعد هنالك أيُّ معنى لصراخنا المتواصل:أين رغيف خبزنا يا صاحب التنور ؟أين رغيف خبزنا ؟
هاشم القضاه
المفضلات