تساءلت ، أيعقل أن يكون السيد وزير العدل قد قال خلال رعايته لبرنامج اليوم العالمي لجمعية الطب الشرعي الأردنية بأن قانون العقوبات الأردني هزيل كما ورد بتاريخ 20/3/2010؟[/right]
أيعقل أن يكون في معرض إثباته لصحة تصريحه هذا قد ضرب أمثلة قانونية غير دقيقه من بينها أن مواقعة انثى برضاها من سن 15-18 سنة يعاقب قانون العقوبات عليها بالحبس 5 سنوات ؟
أيعقل أن يكون قد قال بأن قانون العقوبات يعاقب على مواقعة أنثي برضاها من سن 12-15 بثلاث سنوات حبس؟
إن أول أوجه التساؤل و الاستغراب يتبدى بأن يكون مصدر هذا التصريح هو السيد وزير العدل في المملكة الذي يتربع على أعلى درجات السلم الإداري لوزارة العدل وهو بهذه الصفة يلعب دوراً بارزاً في تحقيق العدل الذي مصدره هذا القانون ؟؟
وثاني أوجه التساؤل، لأنه موجه إلى القانون الذي يوفر الحماية لأقدس حقوق الإنسان، موجه للقانون الذي يوفر الحماية للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المملكة، هو الذي يبقى كيان هذا المجتمع قائماً، فعندما يكون هزيلاً يتساءل المرء عما إذا كان بوسع هذا القانون القيام بهذا الدور الخطير منذ صدوره ولغاية تاريخه؟
ولعل ثالث أوجه التساؤل يتمثل في أن هذا القانون شأنه شأن قوانين العقوبات في كثير من البلاد العربية كمصر وسورية ولبنان يرتد في أصله التاريخي الى القانون الفرنسي الذي أسسه الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت منذ ما يزيد على مائتي عام ولم نسمع أن أياً من وزراء العدل في هذه البلدان من وجه وصفاً كهذا لقانون العقوبات في بلده على الرغم من أن تلك القوانين اسبق مولداً واعرق قدماً واشد إيغالاً في مطاوي التاريخ من قانوننا.
بل و اكثر من هذا أن قانون العقوبات لدينا يتميز عن قوانين العقوبات في تلك البلدان أنه ثنائي المصدر التاريخي، فقد اقتبس كثيراً من نصوصه بشكل حرفي عن قانون العقوبات الانجليزي عبر قانون العقوبات الفلسطيني الذي كان مطبقاً زمن الانتداب البريطاني على فلسطين العزيزة على قلوبنا جميعاً، ومن بين هذه النصوص ، النصوص الناظمة لجرائم الذم والقدح والتحقير و النصوص الناظمة لجرائم تزوير العملة الورقية والمعدنية و تزييفها ، ونص المادتين 91و 92 وغيرهما كثير من قانون العقوبات الإردني.
ولم نسمع أن وزير العدل في المملكة المتحدة قد أسند وصفا كهذا لقانون العقوبات الإنجليزي على الرغم من أن نص المادتين 91و 92 قد استندتا لسوابق قضائية انجليزية تزيد على مائة وخمسين عاماً وفق لما اشرنا اليه في مؤلفنا (الجنون و الاضطراب العقلي و اثره في المسئولية الجنائية).
واذا كان لا بد من ان يضاف للشعر بيتاً، نقول ان الحكومة الإنجليزية كانت قد شكلت لجنة قانونية من كبار رجال القانون في مجلس اللوردات عام 1950 لدراسة النصوص القانونية التي تعاقب بالإعدام على جرائم معينة ، ضمنت هذه اللجنة توصياتها بعد أربع سنوات في كتاب يوجد في مكتبة صاحب هذا المقال- كان من بينها التوصية التالية:-
على الرغم من وجود مثالب وشوائب تنتاب كثيراً من هذه النصوص إلا أنها أصبحت جزءا من الثقافة الإنجليزية الأمر الذي يوجب عدم المساس بها.
فهل ثقافتنا اقل قيمة من الثقافة الإنجليزية لأننا من دول العالم الثالث مثلاً؟
و اخيراً إذا كان لا بد من التطرق إلى الأمثلة التي ضربها معالي وزير العدل إثباتاً لصحة تصريحه، فمن أسف نقول بأنها جاءت غير دقيقه، فليس صحيحاً أن قانون العقوبات لدينا يعاقب على مواقعة أنثى برضاها من سن 15- 18 سنة بالحبس 5 سنوات، وإنما يعاقب الجاني بخمس سنوات من الأشغال الشاقة على الأقل وذلك على مقتضى نص المادة 294 من قانون العقوبات الأردني في (قولها من واقع أنثى غير زوجه أكملت الخامسة عشره ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات،،) ولا تزيد بطبيعة الحال عن ثمانية عشرة عاماً ، كما لا يعاقب قانوننا على مواقعة أنثى برضاها من سن 12-15 سنة بثلاث سنوات حبس ، وإنما يعاقب وفقاً لبعض قرارات محكمة التمييز الموقرة -التي نجل ونحترم ونقدر - بثلاث سنوات من الأشغال الشاقة على الأقل ولا تزيد بطبيعة الحال عن خمسة عشر عاماً باعتبار ان هذه الجريمة هتك عرض وليست اغتصاباً ، وهو ما جعل كاتب هذا المقال يختلف مع قراراتها هذه في مؤلفاته التي يمكن لمعالي الوزير الرجوع إليها والإطلاع عليها أن أراد طبعاً ، وقد قلنا توثيقاً لرأينا أن الطرائق الأصولية للتفسير تعتبر هذه الجريمة اغتصابا وليس هتك عرض ، ويعاقب القانون عليها بخمس سنوات على الأقل لأسباب فصلناها في تلك المؤلفات.
وعلى أي حال فإن العقوبات تظهر بكل وضوح أن قانون العقوبات لدينا يعاقب على هذه الجرائم بالأشغال الشاقة باعتبارها جرائم جنائية، ولا يعاقب عليها بالحبس باعتبارها جرائم جنحية، كنا نتمنى لو أن معالي السيد وزير العدل قبل أن يوجه خطابه هذا وتلتقطه وسائل الأعلام التي نجل ونقدر قد دعا إلى مؤتمر ضم المختصين أو عدداً منهم على الأقل في هذا المجال ممن يشهد لهم تميزهم محلياً وإقليميا ودوليا وعلو كعبهم في هذا المضمار وطرَح على بساط البحث أمامهم مظاهر السقم والهزال التي تنتاب قانون العقوبات من وجهة نظره ليسمعوا منه الأسانيد التي اعتمد عليها في الهجوم على قانون العقوبات على هذا النحو ويسمع منهم ر دهم عليها.
أما كان السيد وزير العدل قد وفر مثل هذا الاعتراض العلني وغيره من الاعترضات و الانتقادات الخفية على تصريحه هذ ؟
إني واثق تماماً أن في هذا البلد أناس أراقوا بكبرياء وصمت وما زالوا يريقوا زيتاً لا ينضب ابد الدهر في سراج المعرفة، يستضيء به شعبنا بل وأمتنا و بالأخص رجال القانون ، ومن خيوط أشعته تنسج الحضارات وبهدية يشق الإنسان دروب السماء و زحم رواصد الشهب وسوامق النجوم .
وفق الله على الدرب خطانا.
بقلم : الدكتور كامل السعيد
المفضلات