المفرق – توفيق أبوسماقةِ - يستيقظ مالك باكرا كل يوم ليغادر منزله في السادسة صباحا ليستقل بعدها حافلة النقل التي تقله من بيته في إحدى قرى المفرق باتجاه مزرعة للخضار في منطقة البادية، حيث يعمل بمجال القطاف فيها ليعيل أسرته المكونة من والدته وثلاثة أخوة أطفال بالإضافة لإخواته الثلاث.
مالك وأخرون دفعتهم الظروف للعمل كعمال قطاف مادة البندورة وفي الوقت الذي يعمل فيه مالك ليعيل أسرته، يوفق أخرون بين العمل في مزارع الخضار والدراسة لأسباب عدة تتعلق بتمويل دراستهم.
لم تعد ظاهرة عمل الشباب في تلك المهنة تقتصر على الرجال غير المتعلمين, فقد أدت تكاليف المعيشة المرتفعة إلى دفع الكثير من الشباب ممن يحملون شهادات جامعية للعمل في مهن لا تتناسب مع ثقافتهم في حال لم تتوفر الوظيفة المرموقة.
وأصبح كثيرون منهم يعملون عملا جزئيا أو كاملا في شركات أو مزارع وحتى في المخابز والمطاعم ، إما لتخفيف مسؤوليات الأهل المالية أو بدافع الفراغ الذي أفرزته البطالة,لكن الحاجة هي الدافع الأساسي لانتشار ظاهرة عمل الشباب المتعلمين في الخدمة.
ويؤكد مالك (26عاما)، خريج العلوم السياسية»لو كان باستطاعتي ترك العمل لتركته وجلست في البيت حتى أجد الوظيفة المناسبة».
مالك أجبرته الظروف على ذلك بعد وفاة والده قبل مدة ليست ببعيدة، حيث ترك أسرة مكونة من أربعة أبناء على مقاعد الدراسة، وأمه مريضة تحتاج للرعاية.
ويقول «تفهمت الظروف، وانطلقت أبحث عن عمل لتأمين احتياجات أسرتي، ولم أجد بدلا من العمل في مزارع البندورة».
ورغم اعتراضه على عمله إلا أنه يحترم قراره ويقدر رغبته في تخفيف التزاماته المالية.
وفي حين يعمل مالك في المزارع ليعيل عائلته ، تعمل مها محمد(20عاما) في تنظيف البيوت لتمويل دراستها الجامعية.
مها أخرت دراستها فصلا جامعيا حتى تعمل، لأن عملها أثر على معدل علاماتها الجامعية. ويؤثر عمل الشباب أثناء الدراسة بشكل سلبي على تحصيلهم الدراسي، بحسب أساتذة علم الاجتماع، رغم الفوائد المادية التي يجنونها منه.
وتقول مها «عملي، ولو كان جزئيا، يؤثر طبعا على تحصيلي في الجامعة، لكنني أرفض تركه لأنني إنسانة راشدة ومدركة أن العمل واجب على كل فرد».
الدكتور سلطان رطروط من الجامعة الأردنية يرى أن ارتفاع الرسوم الجامعية وغلاء المعيشة سيجبر كثيرا من الطلبة على العمل بأي وظيفة مهما كانت,مشيرا الى أن التوفيق بين العمل والدراسة معادلة صعبة حيث سيكون شيء على حساب شيء اخر. وبين رطروط أن ظروف الحياة اصبحت أكثر تعقيدا مما سبق وهذا ما انعكس على توجهات الشباب كالعمل الإضافي مثلا.
وكانت مها تعمل في محل لبيع الألبسة النسائية مساء بعد انتهاء دوامها في الجامعة، إلا أن المحل أغلق لأسباب مادية، كما تقول. ورغم اقتناع مها بعملها، إلا أنها لا تحب نظرة الأقارب والأصدقاء لها، ولا تخفي خوفها على مستقبلها حين يتقدم شاب لخطبتها.
ويوافقها مالك الرأي ويقر بحقيقة نظرة المجتمع السلبية للشباب الذين يعملون بهذا النوع من المهن ويلفت إلى أنه يمقت هذه النظرات كونها « تشعره بالدونية».
ويعزو الدكتور رطروط هذه النظرة إلى الصورة النمطية التي تنتشر في المجتمع عن المرأة الخادمة، مبينا أن «الخادمة نفسها ساهمت في هذه النظرة» لقيام بعضهن بنشر أسرار البيوت.
الاستشارية الأسرية حنان المجالي ترى بأن متطلبات الحياة أصبحت أكبر من قدرة العديد من الأسر على تلبية احتياجاتها، ما دفع الشباب للبحث عن مصادر دخل إضافية.
وحسب المجالي فقد رافق ارتفاع تكاليف المعيشة تطور اقتصادي واجتماعي وفكري وفر سبلا جديدة لفئة الشباب لتحسين مستواهم المعيشي.
وتوضح المجالي أن منطق الاعتماد على الذات بدأ يتجذر في المجتمع، ونتج عن ذلك التعود في سن مبكرة على القبول بالعمل «المتاح» وليس العمل «المرغوب».
وتدعو المجالي إلى توفير فرص عمل مناسبة ولائقة للفتيات المتعلمات، مؤكدة أن العمل بحد ذاته ليس عيبا.
المفضلات