الاثار النفسية للتكنولوجيا على الانسان
حظي موضوع العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا بالاهتمام منذ بدايات القرن العشرين، خاصة من قبل صناع الدراما (من روائيين وسينمائيين) الذين طالما شغل تفكيرهم ما سيجلبه التطور التكنولوجي من أثر على حياة البشر. فشاهدنا أفلاما كثيرة ، منها مثلا فيلم حتى نهاية العالم Until The End Of The World، وفيه يدمن البشر نوعا من التكنولوجيا تستطيع عرض أحلامهم وكأنها أفلام فيديو، ثم كانت ثلاثية أفلام الماتريكس The Matrix للأخوين ووتشوفسكي اللذين يرسمان المستقبل كأنه لعبة واقع افتراضي Virtual Reality، والبشر جميعا مدمجون فيها.
وهكذا نجد أن العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا بدأت تؤثر في انفعالات الشخص.. فلم تعد كما كانت مجرد عامل تأثير خارجي، إذ بقينا ولسنوات نستخدم السيارة والطائرة والحاسوب والهاتف من دون أن نتأثر عاطفياً معها كما هو الحال في الأعوام الأخيرة، فالتكنولوجيا التي كنا نشكلها، أصبحت تشكلنا، والفكرة التي كانت سائدة حتى وقت قريب بأنه يجب أن لا نقلق كثيراً بشأن تأثير التكنولوجيا في انفعالاتنا، أصبحت غير مقنعة اليوم، لأن الواقع يرينا انها كيان مؤثر، والقضية هنا متوقفة علينا نحن البشر، إذ يجب أن نوجه انتباهنا الى كيفية استخدام التكنولوجيا، حتى تعطينا ما نريد بدلاً من أن ترسخ فينا ما لا نريد.
وبينت أستاذة وباحثة علمي الاجتماع والنفس بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT شيري تيركل الآثار النفسية لعلاقة البشر بالتكنولوجيا في زمن تحدد فيه- الى حد بعيد - معنى أن نكون بشراً، إذ قالت شيري: انني أرى اننا غير مؤهلين بما يكفي لاستقبال الآثار النفسية لما تصنع أيدينا من تكنولوجيا، فنحن نصنع أشياء تكنولوجية، وفيها يكمن المكون الوجداني، ثم بعد ذلك نتجاهل هذا المكون قائلين ان التكنولوجيا ليست إلا أداة؟.
وأخذت على سبيل المثال، برنامج باور بوينت PowerPoint وبينت أن مايكروسوفت صنعته أساسا كأداة للعرض والتقديم في مجال الأعمال، لكن هذا التطبيق صار أكثر الوسائل التعليمية انتشارا، وقد وصل لهذه المرحلة من الشيوع نتيجة الطريقة المبتكرة التي يقدمها في ترتيب الأفكار في نقاط يسهل تدوينها واسترجاعها بالذاكرة، لكن ثمة أثار سلبية لذلك البرنامج إذا أمعنا النظر قليلاً؛ فاستخدام باور بوينت يحبس الأفكار في نقاط محددة وأشكال صارمة؛ وهو ما يعطي صورة زائفة عن طبيعة بزوغ الأفكار، وأهمها التلقائية والتكوين المتأني.
وأوضحت بأنها عندما درست كيفية تفاعل الأطفال مع الروبوت البسيط فيربي Furby الذي يستطيع أن يركز عينيه في عيني من ينظر إليه، وأن يميل إليه، وجدت أن الأطفال يتعاملون مع الروبوت باعتباره كيانا حاسّا، ولعل هذا طبيعي، باعتبار أن حركات هذا الروبوت لا تصدر إلا عن البشر. أما المثير للدهشة فقد كان عندما سألت الأطفال إن كان فيربي كائنا حيا، وكانت الإجابة بنسبة كبيرة هي نعم! وهي تعني أن الأطفال نظروا إليه، ليس باعتبار إمكاناته كآلة تكنولوجية، وإنما باعتبار ما يمثل لهم، وما يشعرون تجاهه.
ولذلك، علينا أن نبدأ بتحديد أي المهام يستطيع البشر أن يقوموا بها بصورة أفضل، وأيها يحسُن أن تقوم به الآلة. فإذا تحدثنا عن التدريب مثلا، فإن الآلة تفوق البشر في بعض الأنشطة التدريبية مثل تقديم المعلومات، ولكن من جهة أخرى، فإن البشر أفضل في الإرشاد والتوجيه والتشجيع وبناء العلاقات، وهنا أؤكد أننا نتعرف أكثر على ذواتنا كلما أمعنا النظر في الأدوار التي تناسب الآلة وتلك التي لا تناسبها.
المفضلات