تابــــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة الحشر
التحالف بين اليهود والمنافقين:
ثانياً: قوله تعالى: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ، لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ، لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ، كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الحشر: 11-15].
بينما تحدثت الآيات السابقة عن ما جرى ليهود بني النضير، فإن هذه الآيات تجمع بين المنافقين واليهود، وتخبر عن الوعد الذي وعد به المنافقون اليهود، وكذبهم فيه.
وقد عرفنا من سبب تزول السورة أنه لما اشتد الحصار على يهود بني النضير اتصل بهم عبد الله بن أبي زعيم المنافقين، ووعدهم النصر والتأييد والمدد، وشجعهم على عدم الاستسلام، لكنه أخل بوعده وتخلى عنهم، وتركهم بواجهون مصيرهم الأسود وحدهم.
تدعو الآيات إلى العجب من موقف المنافقين، حيث انحازوا إلى اليهود الكافرين، وانفصلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين زعموا أنهم مؤمنون به، وتجعل الآيات المنافقين إخواناً لليهود في الكفر.
قال المنافقون لإخوانهم اليهود الكافرين: لئن أخرجكم المسلمون من دياركم فإننا سنتضامن معكم ونخرج معكم، ولن نطيع أي أحد إذا أمرنا بمخالفتكم، مهما كان ذلك الشخص، حتى لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا قاتلكم المسلمون فإننا لن نكون معهم، وإنما سنكون معكم، وسننصركم عليهم، ونمدكم بالمدد من جماعتنا ضدهم!.
وهذا الوعد يدل على متانة العلاقة بين اليهود والمنافقين، وضعف الصلة بين المنافقين والمسلمين، لأن المنافقين ليسوا مسلمين في الحقيقة، وإنما هم كفار إخوان لليهود في الحقيقة.
ومع ذلك شهد الله بأن المنافقين كاذبون في وعدهم، وأنهم سيخلفونه؛ فإذا أُخرج اليهود لن يخرجوا معهم، وإذا قوتل اليهود لن ينصرونهم، وإذا حاول المنافقون الوفاء بالعهد ونصرة إخوانهم اليهود فلن ينتصروا، وسيولّي الفريقان المتحالفان الأدبار، ويُهزمون أمام المسلمين.
نحن هنا أمام وعدين تذكرهما الآيات:
الأول: وعد المنافقين بنصرة إخوانهم اليهود وتأييدهم.
الثاني: وعد الله بكذب المنافقين، وخلفهم الوعد.
ماذا حصل بعد ذلك؟.
كذب المنافقون، وأخلفوا إخوانهم اليهود ما وعدوهم، لأن الخُلفَ في الوعد والعجز عن الوفاء به صفة ملازمة للكفار والمنافقين.. وصدق الله في ما وعد به وأخبر عنه، لأن الله لا يخلف الميعاد، وهو الأصدق في قوله سبحانه!.
كذب وجبن المنافقين واليهود:
وتجمع الآيات بين الفريقين المتحالفين: اليهود والمنافقون العرب، وتعتبرهما قوماً لا يفقهون، ولذلك يخافون من المؤمنين أكثر مما يخافون من الله، والمؤمنون أشد رهبة في صدورهم من الله.
وتخبر الآيات عن جبن الفريقين اليهود والمنافقين، والجبن متجذِّر في الشخصية اليهودية أكثر، فهم لا يقاتلون المسلمين مجتمعين، ولا يواجهونهم مواجهة مكشوفة، وإذا اضطروا إلى مواجهتهم وقتالهم فإنهم يختبئون في قرى منيعة محصّنة، أو يتمتْرَسون وراء جدر وموانع وسواتر تحميهم.
وهؤلاء اليهود يبدون في الظاهر متفقين متحدين مجتمعين، وهم حريصون على (التمثيل الإعلامي) وإصدار عبارات إعلامية كاذبة، يُعلنون فيها اتفاقهم واتحادهم. لكنهم في الحقيقة مختلفون متنازعون، وقلوبهم مشتتة متفرقة، لا يجمع بينها جامع، ولا يوحّد بينها شيء، حتى لو كان هذا الشيء خطراً ماحقاً مدمّراً.
وهم الذين صدق الله في قوله عنهم: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [المائدة: 64].
العداوة والفرقة بين اليهود:
فالعداوة والبغضاء متجذرة في قلوب اليهود، إلى يوم القيامة، ومهما حاولوا إخفاءها بالابتسامات، وزعم التعاون والمحبة والتنسيق، فهم كاذبون في ذلك. والناظر إليهم من بعيد يحسبهم مجتمعين، مع أن قلوبهم شتى، مختلفة متعادية متباغضة!.
والحديث في هذه الآيات ليس خاصاً بذلك التحالف بين المنافقين ويهود بني النضير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو عام يشمل كل تحالف وتعاون بين المنافقين واليهود حتى قيام الساعة.
وهو ينطبق على الصلات السرية الخفية، بين منافقين عرب وبين اليهود، الذين أقاموا لهم دولة على أرض فلسطين، حيث مكّن المنافقون العرب لليهود، وتحالفوا معهم ووالوهم، وعملوا على تقويتهم ودعمهم.
وحديث الآيات عن جبن اليهود وتباغضهم ليس خاصاً بأولئك اليهود زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو عام يشمل اليهود في كل زمان ومكان، ولا بد أن نلحظ انطباق هذه الآيات وما فيها من وعود قرآنية على اليهود على أرض فلسطين، في هذه الأيام.
إنهم جبناء، رغم ما بين أيديهم من مظاهر القوة والتمكين، والأسلحة الحديثة المتقدمة، ولا يقاتلون المجاهدين على أرض فلسطين قتالاً مباشراً، يقوم على شجاعة وبسالة المقاتل، جنديهم جبان، لا يجرؤ على مواجهة المجاهدين مواجهة، ولهذا يختبئون خلف (قُرًى مُّحَصَّنَةٍ) معاصرة، تتمثل في ثكناتهم وقواعدهم العسكرية، والأسلاك الكهربائية الإلكترونية، كما أنهم يقاتلون: (مِن وَرَاء جُدُرٍ) معاصرة تتمثل في الطائرات والدبابات والمصفّحات!
وإذا ما اضطر هؤلاء الجنود اليهود إلى مواجهة المجاهدين مواجهة قتالية، فإنهم يجبنون ويخافون ويرتعدون، ويفرون منهزمين، وقد سجل التاريخ الحديث نماذج وأمثلة عديدة لجبن اليهود أمام المجاهدين، في فلسطين ولبنان وغيرهما.
هذا وهم يملكون مختلف مظاهر القوة المادية العسكرية، فكيف يفعلون في المستقبل، عندما يواجهون جيوشاً إسلامية مجاهدة؟!.
وسترى الأجيال الإسلامية المجاهدة القادمة تحقق وعد القرآن عملياً، عندما تجاهد اليهود جهاداً كبيراً: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى).
* * *
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات