*** أحبــــــــــــه.. ولكــــــــــن ...... !!! ***
لكي تواصل الاحتراق معه حباً، عليها أن تقفز فوق حقائق التاريخ والجغرافيا، وأن تُلقي جانباً ما أنتجته البشرية بينهما (التاريخ والجغرافيا) من قيم وتعاليم.
وعليها لتلبي نداء لحظة الندى الولهان (كانت تخبرني أسيانة) أن تجترح طرائق عبقرية وأن تلبس طاقية الاختفاء.
تعب هنا ووجع هناك، ها هو يرتفع صوت شكواها، كما في كُلِّ مرَّة، ها هي رغوة الدمع السخي تتقافز من حدقتيها المجمّرتين بسهرِ ليالٍ لا يشبه أغنية فيروز ''سهر الليالي'' التي تشتعل هناك قمحاً وأغنيات ورقصاً خفيف الظل.
وكما في كُلِّ مرَّة أسألها لكن هل تحبينه، فتجيب ''أحبه ولكن''. فما يزيد جوابها سؤالي إلا حيرة فوق حيرته النابعة أصلاً من تعقيدات حب جمعهما من غير ميعاد.
وفي قلب (ولكنها) هذه تتسابق قصص وتتدافع موانع وتطلع مسؤوليات ويظل يطل برأسه الشتات وسوء إدارة اللحظة.
وهي (لكن) لها من جهة مبرراتها، ومن جهة أخرى هي مبررات لا تصل بظني وبما لاحظته في أعماقها وما لا تملك معه حيلة، إلى أن تقتل هذا الحب تماماً.
فهو حُب قدري إذن، قدرها أن يظل هذا الحب وجع أيامها والسيف المسلط على لحظات صفائها، وقدره هو أن يظل حباً مرهوناً باشتراطات اللحظة وخاضعاً لقائمة التزاماتها الأخرى.
أن يظل حباً معذباً، فيه من الحجب أضعاف ما فيه من الكشف، وفيه من الصد ما يصل لأن يجعل لحظات الود والاستجابة ونجاح لقاء فنجان قهوة عابر بلا لون أحياناً ولا طعم ولا رائحة.
حب تراجيدي، يخوض ملحمة شقائه في اليوم الواحد مرَّات كثيرات، يسير باختياره المأسور نحو حتمية الموت حباً أو الحب موتاً.
حب يشبه استلاب الفراشة للضوء السحري المشع ببريق هلاكها، وليس بعيداً عن حب الفدائي للشهادة الواقفة هناك غربي نهر الأحزان.
حب ليس له علاقة بالأغنيات المعلبة والنزعة الاستهلاكية السائدة، وهو حب يعلن براءته اليومية من القيم السريعة وإيقاع العصر الغارق بأشكال الزيف والتقليد.
وبقدر ما هو عظيم (كما أرى) بقدر ما هو مرفوض، وبقدر ما هو مُحرَّم بقدر ما هو مرغوب وغير قابل للنسيان والالتفاف على توهجه كلما كان اللقاء أخيراً.
حب فيه من الجنون بقدر ما فيه من التبصر، ومن الأسى بقدر ما يتخلله أحياناً من مسرات فقيرات وبهجة مختلسة وفرح قليل الحظ.
وكما تبوح بالشكوى كلما التقينا، يفعل هو، وفي آخر لقاء جمعني معه كوسيطة آهات وكصديقة مشتركة لكليهما، كان صوت شكواه أعلى وتحول ألمه إلى عروق متورمة في الوجه وعند حدود أول الرأس وعلى جانبي الرقبة: - لا نكاد نلتقي وإن تصادف وحدث ذلك بعد مدٍ وجزر، وبعد لأي ومماطلة وأخذٍ ورد، فهو لقاء عابر في مجرد جلسة حول فنجان قهوة في مكان عام لم تعد تطول لأكثر من ساعة وربما ساعتين في أحسن الأحوال، وهو ما جعلني شبه يائس من تحقق أحلام لقاء أكثر حباً وأعمق دلالات وأطول زمناً وأكثر إزهاراً لبتلات الحب التي بدأت تتيبس رويداً رويداً. كان يعلو صوته بنشيج يشبه البكاء عندما وصلتْ وتغيرتْ فوراً أساريره وتفتَّح لون وجهه وقال لها عاتباً وموجوعاً أنت تقودينني للموت يا حبيبتي فما كان منها إلا أن ردَّت عليه بما يجعل كل شيء غير الحب بلا معنى ولا قيمة له: - إذا متَّ أتدري ماذا سيحدث لي؟ ودون أن تنتظر إجابته قالت له بلغة لا يفهمها إلا الهوى والوجد العظيم: - سأموت معك على الفور!!!
منقوووووول
المفضلات