السلطة الأبوية ذات حدين
د. فيصل غرايبةإن نمط الأسرة وبنيتها يقومان بدور مهم في توجيه الشباب، إذ تحدد الأسرة لهم نيابة عن المجتمع القيم التي يجب احترامها والتقاليد التي يجب اتباعها، وتراقب عمليات الامتثال أوالتجاوز وتقوّمها.
قد يؤدي بها التشدد أحياناً إلى التسبب في بعض المشكلات أو الأزمات النفسية عند الشباب، وبخاصة إذا تعارضت التوجهات الأسرية مع اتجاهات الأبناء، وحاولت فرض سلطتها عليهم بقسوة.
وقد تبين لدراسة ميدانية حول هذا الموضوع أجريت في لبنان أن أكثر الفئات الاجتماعية الاقتصادية ممارسة لهذه السلطة هي الفئات الوسطى وليست الغنية وأن أقلها ممارسة لها هي الأسرة الفقيرة، وأن الريفيين يظهرون حرصاً أكبر من المدنيين على القيام بدور الأداة الاجتماعية لتطويع الأبناء ونقل القيم المطلوب احترامها إليهم، إلاّ أنهم قلّما يؤدون هذا الدور بنجاح. فالمدنيون واعون لحدود تدخلهم ومجالاتها الضيقة.
وبينت الدراسة كذلك أن البنات يتمثلن القيم الأسرية أكثر من البنين قبولاً وتسليماً وبنتيجة التراث التاريخي الثقافي الذي يخضعن له.
ولعل من الأمور الواجب دراستها عند الجيل الجديد، اتجاهه نحو المرأة في المجتمع العربي، وقد قام «عقيل نوري» بقياس اتجاهات الشباب العربي نحو المرأة، واضعاً عدداً من الفروض حاول إثباتها أو نفيها من أهمها: أن المرأة العربية تسعى سعياً طبيعياً لتحسين مكانتها وصورتها داخل المجتمع، خصوصاً مع ارتفاع المستوى التعليمي للفتاة، وأن الاتجاه نحو المرأة يعد اتجاهاً إيجابياً؛ نتيجة التغيير في أساليب التنشئة الاجتماعية الناجم عن التغير في بنية الأسرة العربية، التي أصبحت أسرة ذات طابع نووي مما أدى إلى حرية واستقلالية وديمقراطية أكبر.
وتتقلص سلطة النظام الأبوي مع صغر حجم الأسرة، إضافة إلى تحسن المستوى التعليمي والوعي الاجتماعي مما عزز من المكانة الاجتماعية للمرأة، ونشوء تيارات دينية محدثة تنادي بضرورة إسهام المرأة في الحياة الاجتماعية.
إن الاتجاه الايجابي للمرأة نحو ذاتها يدل على زيادة الوعي لديها، ويرد ذلك إلى التنشئة الاجتماعية في إطارها الحديث وإلى طبيعة الأسرة بشكلها الحديث أيضاً. كما أن التعليم قد زاد من ثقة المرأة بنفسها وبإمكانياتها، ولكنه ينوه في نفس الوقت إلى ما تراكم في الأذهان من مخلفات ثقافية قديمة كفكرة نقص العقل والفكر والدين مما أثر على توجه المرأة المهني أو توجيهها إلى وظائف معينة.
ويخلص إلى الدعوة إلى إعادة النظر في الدور الاجتماعي للمرأة وليصبح أكثر فاعلية في الحياة الاجتماعية في المجتمع العربي.
وتشكل مثل هذه النتائج مؤشرات على أثر السلطة الأبوية وأثر التقدم في دور المرأة والفتاة في نوعية وحجم الانخراط في المجتمع المعاصر.
إن الأسرة العربية لم تعد مؤسسة شمولية بل أصبحت ذات دور محدود نظراً لظهور مؤسسات أخرى منافسة، وهي تعاني من أزمة في مسؤولياتها ووظائفها نظراً لتأثرها بالظروف الاقتصادية والسياسية للمجتمع، إضافة إلى أنها -أي الأسرة- أصبحت منفتحة تماماً على التأثيرات الخارجية..
في ظل هذا العجز عن تحقيق الإشباع العاطفي والتوازن النفسي للابن داخل الأسرة، أصبح عاجزاً عن تحقيق الممارسة الثقافية المطابقة لطموحاته وتطلعاته المستقبلية، مما يفسر ظاهرة افتقار الجيل الجديد إلى هوية ثقافية مطابقة، إذ أن الغموض الذي يسود أوضاعه السوسيوثقافية وبخاصة في تنوع مكوناتها وعدم تجانس عناصرها ينعكس سلباً على ممارساته الثقافية.
المفضلات