عندما ترى صيادا يقف على صخرة شاطئية في البحر يحمل صنارته الغاطسة في مياه الخليج فلا تظن أن صيده ثمين ، فهناك مئات الحيتان واسماك القرش المفترسة وكلاب البحر تحوم وسط ذلك البحر وتلتهم الأسماك الصغيرة والكبيرة ، وللأسف فأن ذلك الصياد لا يستطيع هو ولا صنارته ولا طعُمه اصطياد تلك " الوحوش " المفترسة ولا القبض عليها ، وان اقترب مركب صيد ما من "بؤر الحيتان " تنطلق صفارة مراكب جمعيات الرفق بالحيتان لمنع أي أحد من الاقتراب الى مساحاتها الحمراء .
الجميع يصطاد الأسماك الصغيرة وإن صادف وعـِلق احد الحيتان في جدار شباك الصيد ، هبت لنجدته فرقة خاصة لتخليصه وإعادته الى " عالم البحار " المليء بالكنوز .. هذا في عالم البحار والشواطئ فماذا عن عالم البرّ و البراري والمدن السمكية الطازجة والمقرصنة والورقية والنقدية .
لا أعتقد أن استقالة وزير أو مدير ولا حتى جميع موظفي الدوائر سينهي مشكلة الفساد المزمنة وابتلاع الحيتان لأسماك السردين المخصصة للطبقة الفقيرة ، إن لم تكن هناك إرادة صادقة ، وقوة ضاربة ، وقضبان سجون تشرف عليها " هيئة إعادة تأهيل وطنية " لغسيل جلود وأرواح وعقول شياطين الأنس ، وكف أصابع الزمار عن العزف على مزمار الوظيفة العامة .
فشجرة الفساد تمت زراعتها و " شرشت " منذ زمن بعيد في حقول المصالح النتنة ، كما زرع الخشخاش والحشيش في بلدان تتاجر عصاباتها الرسمية والأهلية بالمخدرات و نساء الجنس وكلما جرت حملة تطهير وإتلاف لحقل ما ، نبتت زروع الفساد والخشخاش وتجارة الرقيق الأبيض في حقل جديد والسبب ببساطة يعود الى ان هناك مستفيد او مجموعة مستفيدين .
في عهد الحكومة السابقة طلب رئيسها نادر الذهبي من رئيس ديوان المحاسبة أخراج ما لديه من ملفات التجاوزات والفساد المالي والإداري وتقديمها لمجلس النواب الموءود وحينما غرف رئيس الديوان مصطفى البراري من قدر الديوان أخرجت مغرفته جثث ملفات فساد تزكم الأنوف برائحتها في غير مؤسسة رسمية ، وفي وزارتي الزراعة والصحة في الأعوام السابقة ، ومن طرائف التخالف فقد رصد تقرير للديوان عن أحدى الهيئات الرسمية ، شراء أجهزة خلوية لاستخدامها من قبل الموظفين بمبلغ (7468) ديناراً دون سند قانوني ، كما تتحمل الهيئة حوالي (5700) دينار سنوياً لقاء تسديدها كلفة المكالمات الهاتفية الخلوية المحددة .
ولكن ماذا جرى ، لم يناقش المجلس تلك المصائب لان دوراته انتهت قبل أن يكلف نفسه المناقشة الوافية ، ثم حل المجلس ، ورحل الذهبي ، وبّرأ ديوان المحاسبة ذمته ، ولم تحرك حتى الآن أي مسائلة في ما قيل انها تجاوزات فساد بعشرات الملايين .
القصة باختصار هي في انعدام " الشرف الحقيقي " للإنسان عند البعض ، وأهم أركان مفهوم الشرف ، الصدق والأمانة والإخلاص ، فإذا انسلخ المرء عن شرفه الحقيقي ، فسهل عليه أن يبيع كل شيء في هذه الدنيا ، ابتداء من " عرضه " وانتهاء بأسرار الدولة الى العدو أو الدول المناوئة .
كيف يقبل الإنسان أكان رئيسا أو مرؤوسا ، فقيرا أو ميسور الحال ، أن يمد يده للحرام ومال السحت ، وأن يسرق ويصنف نفسه لصا ، وللعلم فإن الفقر لم يكن يوما مبررا لأن يسرق الإنسان ، ولكن الرجولة ، أذا جعت أو جاع أطفالك أن تأكل وتطعمهم من أكباد هؤلاء الفاسدين الخونة ، الذين استمرؤوا سرقة طعام ودواء وتعليم أطفال الكرك ومعان والطفيلة والمفرق واربد وعجلون وجرش ومادبا والسلط والزرقاء وأحياء عمان وقرى البادية التي سيأتي يوم ليأكلوا " ملح البارود " كل صباح .
مخطئ من ظن أن هناك شفافية ، فلا شفافية وبعض حقائق إلا في صفحة الوفيات ، لأن هناك فقراء يموتون ويدفنون ولا ينشر نعي لهم ، الشفافية اليوم هي في ملابس النساء المستوردات ضمن منظومة الفساد و" الرقيق الرمادي " اللواتي يطيبن ليل السهارى ، ليسكر الكل ويغفو حتى يعطس يوم جديد في وجه الغافلين ، عند تلك العصابات المخفية التي تحتمي وراء "ضد مجهول" .
قبل أن نبدي حسرتنا على شرف الكرامة الإنسانية ، نبدي خشيتنا من إطلاق جائزة " لمكافأة الفساد " .. وعكس ذلك ، فليطلق لهيئات مكافحة الفساد والرقابة والمحاسبة والقضاء اليد الطولى في اعتقال كائن من كان من المتورطين في سرقة مال الشعب الأردني ، ومصادرة أموالهم وأموال العصافير التي تطير في حدائقهم .. وعكس ذلك ، فليخبرنا أحد ما ، لننضم الى قطاع الطرق في وضح النهار .
فايز الفايز
المفضلات