تمر ذكرى الاستقلال، هذا العام، والأردنيون مشغولون بمراقبة ما يجري حولهم من أوضاع هي أقرب لحالة من الفوضى السياسية ليس فيها ما يشير إلى أنها تتجه نحو الاستقرار بما يمكن من التنبؤ بنتائجها. بل ستبقى نتائجها، على الأرجح، معومة فترة طويلة من الزمن.
وهي حالة تشكل تحديا مركبا نواجهه، بالضرورة الوطنية والقومية، في: أولا، ألا تمتد ألسنة اللهيب إلينا أو تقترب من حدودنا؛ والثاني، فيما تباشره قيادتنا، بكل قدراتها المعروفة، في التدخل الدبلوماسي الناجح لتحريك القوى الدولية والعربية لمنع امتدادها من الوصول إلى حيث تصيب بالضرر مصالحنا كما عرفناها من قبل؛ وثالثا، في الاستمرار، بإصرار وبكل الشفافية والحسم اللازم، في ترتيب بيتنا الداخلي بما يحصن الأردن في وجه أية قوة تريد به الشر خارجية أو داخلية.
ولعل أخطر هذه التحديات كامن في موقف إسرائيلي معاد، بطبيعته، متمرد على المجتمع الدولي، مستفيد، حين تلوح الفرصة، من عجزه عن التصدي له وإيقافه. والأردن يعتمد، في مواجهته لهذا الخطر، على الفلسطينيين أنفسهم، أولا، علهم يرصون صفوفهم لتمتين قدراتهم في المقاومة وكسب الوقت ريثما يتمكن العرب والعالم من التدخل الفاعل. كما يعمل، لهذه الغاية، طوال الوقت، من خلال الجامعة العربية، والأمم المتحدة، وفي اتصالات قيادته مع أصحاب القرار في المجتمع الدولي. والمعركة، على أية حال، معركة تعتمد نتائجها على قدرتنا، جميعا، على المطاولة.
والأردن يحرص على ألا تمتد حالة الفوضى عبر حدوده، أو حدود الدول العربية التي يتمكن من مساندتها. وهو، في ذلك، يعمل، حين تظهر حاجة، بالتعاون مع مجلس التعاون الخليجي، وله في ذلك باع طويل ذو مصداقية كبيرة؛ أو منفردا. لقد كان من أوائل الدول العربية التي اعترفت، عمليا، بالمجلس الانتقالي الليبي، كممثل وحيد وشرعي للشعب الليبي الشقيق.
أما في ترتيب البيت الأردني الداخلي، فالدولة، كلها، مشغولة بعملية إصلاح متعدد الجوانب، سواء منها إصلاح التشريعات الناظمة للعمل السياسي كلها، بما فيها تعديل الدستور؛ أو محاربة الفساد والترهل الإداري؛ أو إيجاد حل لمشاكل ذات علاقة بالمواطن كالبطالة والفقر والتنمية المستدامة؛ أو معالجة عجز الموازنة والدين العام. والإصلاح عملية طويلة معقدة تحتاج للوقت والصبر.
هناك برنامج حكومي معلن، جريء لتحقيق هذه الأهداف. ولو نجحنا في ذلك فسنكون قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق السريع نحو المستقبل الذي نحلم به.
ولكن هذا البرنامج يمثل، أيضا، تحديا للفاسدين وللمتضررين منه. لا يتوهمن أحد أنهم لن يحاولوا إحباطه وإفشال أي جهد أردني في الإصلاح. هم لن يغادروا الميدان، بل سيقاتلون من داخل صفوفنا في كل الأحيان. إخراج هؤلاء من الصفوف وعزلهم متروك للأردنيين، بما عرف عنهم من ذكاء أصيل، وقدرتهم في التمييز بين العدو من الصديق. نتائج هذه المعركة، وهي معركة حقيقية، وحسمها بسرعة يعتمد على قرار الأردنيين، وحدهم، ذلك هو دورهم في المواجهة.
فالح الطويل
المفضلات