بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
د. طارق الطواري
مع عودة المد الصوفي للظهور من جديد في المساجد وإذاعة القرآن الكريم والكتابات الصحفية وعودة الدعوة إلى الخرافة والطرق البدعية وإماتة السنة وإحياء البدعة من خلال ما سبق ونشر كتيبات باسم طلبة العلم ككتب الدعاء الجماعي ومسح الوجه باليدين بعد الدعاء والدعوات للموالد وزيارة القبور والتوسل بها وقد كتب الدكتور / يوسف الشراح أصلحه الله الأستاذ بكلية الشريعة مقالاً في : 15/4/2004م في جريدة الوطن بعنوان الصوفية الحقة في ميزان شيوخ السلفية .
زعم فيه أن الصوفية على حق وأنهم أهل الجهاد وهم السادة العلماء بالإضافة للغمز واللمز بأئمة السلف الإعلام كشيخ الإسلام وغيره من أجل ذلك كله وجب الإيضاح والبيان كي لا يلتبس الحق بالباطل وأول ذلك التعريف بالصوفية من حيث النشأة والتسمية والطبقات ثم أثرهم المزعوم في الجهاد وقد استعنت في ذلك بما نشر في موقع كشف الشبهات :
www.khayma.com/kshf/M/Suofyah.htm
وبما كتبه الشيخ حسان العتيبي نقلا عن صيد الفوائد وعن كتابه تربية الأولاد في الإسلام في ميزان النقد العلمي :
http://saaid.net/Doat/ehsan/134.htm
والله أسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
النشأة
حركة التصوف انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة ، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة معروفة باسم الصوفية ، ويتوخى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية ، ولذا جنحوا في السمار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية : الهندية والفارسية واليونانية المختلفة .
سبب التسمية
اختلف العلماء في نسبة الاشتقاق على أقوال أرجحها :
ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون وطائفة كبيرة من العلماء من أنها نسبة إلى الصوف حيث كان شعار رهبان أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية .
بداية الانحراف
كدأب أن انحراف يبدأ صغيراً ، ثم ما يلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال : إبراهيم بن أدهم ، مالك بن دينار ، وبشر الحافي وغيرهم إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام ، وتحريم تناول اللحوم ، والسياحة في البراري والصحاري ، وترك الزواج ، يقول مالك بن دينار : ( لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة ، ويأوي إلى مزابل الكلاب ) ، وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة ، ولكن مما يجد التنبيه عليه أنه قد نسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشطحات المستنكرة ما لم يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية .
* ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار أهمها :
- البداية والظهور : ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قربها من بلاد فارس ، والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة ، ثم بسلوكيات رهبان أهل الكتاب .
* طلائع الصوفية :
ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي :
- الطبقة الأولى :
كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة ، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف ، وإن كان ورد عن بعضهم – مثل الجنيد – بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات ، ومن أشهر رموز هذا التيار .
- الجنيد : هو أبو القاسم الخراز المتوفي 298هـ يلقيه الصوفية بسيد الطائفة .
- ومن أهم السمات الأخرى لهذه الطبقة كثر الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونساك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم ، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين ، ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد ، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي صلى الله عليه وسلم مما سبب العداء الشديد بينهم وبين الفقهاء ، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف والخوارق وبعض المقولات الكلامية ، وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة .
- ومن أهم هذه السمات المميزة لمذاهب التصوف والقاسم المشترك للمنهج المميز بينهم في تناول العبادة وغيرها ما يسمونه ( الذوق ) والذي أدى إلى اتساع الخرق عليهم مما سهل على اندثار هذه الطبقة وزيادة انتشار الطبقة الثانية التي زاد غلوها وانحرافها .
- الطبقة الثانية : خلطت الزهد بعبارات الباطنية ، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري ، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات : الوحدة ، والفناء ، والاتحاد ، والحلول ، والسكر ، والصحو ، والكشف ، والبقاء ، والمريد ، والعارف ، والأحوال ، والمقامات ، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة ، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن ، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم ، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية ، مما زاد في انحرافها ، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن .
- ومن أهم أعلام هذه الطبقة : أبو اليزيد البسطامي ت 263هـ ،ذو النون المصري ت 245هـ ، الحلاج ت 309هـ ، أبو سعيد الخزار 277-286هـ ، الحكيم الترمذي ت 320هـ ، أبو بكر الشبلي 334هـ .
- الطبقة الثالثة :
وفيها اختلط التصوف بالفلسفة اليونانية ، وظهرت أفكار الحلول والاتحاد ووحدة الوجود موافقة لقول الفلاسفة ، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد الغزالي والسهروردي ، وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف والتي تعدت مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية ، ومن أشهر رموز هذه الطبقة : الحلاج ت 309هـ ، السهروردي 587هـ ، ابن عربي ت 638هـ ، ابن الفارض 632هـ ، ابن سبعين ت 667هـ .
- الحلاج : أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 244- 309هـ ولد بفارس حفيدا لرجل زرادشتي ، ونشأ في واسط بالعراق ، وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين ، رمي بالكفر وقتل مصلوباً لتهم أربع وجهت إليه :
أ- اتصاله بالقرامطة .
ب- قوله ( أنا الحق ) .
ت- اعتقاد أتباعه ألوهيته .
ث- قوله في الحج ، حيث يرى أن الحج إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها .
- يمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي ، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني ، المتوفي سنة 561هـ نسب إليه أتباعه من الأمور العظمية فيما لا يقد عليها إلا الله تعالى من معرفة الغيب ، وإحياء الموتى ، وتصرفه في الكون حياً أو ميتاً ، بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال الشنيعة ، ومن هذه الأقوال أنه قال مرة في أحد مجالسه : ( قدمي هذه على رقبة كل ولي لله ) ، وكان يقول : ( من استغاث بي في كربة كشفت عنه ، ومن ناداني في شدة فرجت عنه ، ومن توسل بي في حاجة قضيت له ) ، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الشرك وادعاء الربوبية .
- يقول السيد محمد رشيد رضا : ( ينقل عن الشيخ الجيلاني من الكرامات وخوارق العادات ما لم ينقل عن غيره ، والنقاد من أهل الرواية لا يحفلون بهذه النقول إذ لا أسانيد لها يحتج بها ) ( دائرة المعارف الإسلامية 11/171) .
- كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن الحسين الرفاعي ت 540هـ ويطلق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق ، وينسج حوله كتاب الصوفية – كدأبهم مع من ينتسبون إليهم – الأساطير والخرافات ، بل ويرفعونه إلى مقام الربوبية ، ومن هذه الأقوال : ( كان قطب الأقطاب في الأرض ،ثم انتقل إلى قطبية السماوات ، ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال ) ( طبقات الشعراني ص 141، قلادة الجواهر ص 42) .
- وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن 549-587هـ ثم خلفه عبد الرحيم بن عثمان ت 604هـ ، صاحب مدرسة الإشراق الفلسفية التي أساسها الجمع بين آراء مستمدة من ديانات الفرس القديمة ومذاهبها في ثنائية الوجود وبين الفلسفة اليونانية في صورتها الأفلاطونية الحديثة ومذهبها في الفيض أو الظهور المستمر ، ولذلك اتهمه علماء حلب بالزندقة والتعطيل والقول بالفلسفة الإشراقية مما حدا بهم أن يكتبوا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي محضراً بكفره وزندقته فأمر بقتله ردة ، وإليه تنسب الطريقة السهروردية ومذاهبها في الفيض أو الظهور المستمر .
- في القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي الطائي الأندلسي أحد رؤوس الصوفية حتى لقب بالشيخ الأكبر ، أعاد ابن عربي ، وابن الفارض ، وابن سبعين ، عقيدة الحلاج ، وذي النون المصري ، والسهروردي .
- محيي الدين ابن عربي : الملقب بالشيخ الكبر 560-638هـ رئيس مدرسة وحدة الوجود ، يعتبر نفسه خاتم الأولياء ، طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على أن الإنسان وحده من بين المخلوقات يمكن أن تتجلى فيه الصفات الإلهية إذا تيسر له الاستغراق في وحدانية الله .
- أبو الحسن الشاذلي ت 656هـ : صاحب ابن عربي ، من أشهر تلاميذ مدرسة أبو السحن الشاذلي ت 656هـ أبو العباس ت 686هـ ، وإبراهيم الدسوقي ، وأحمد البدوي ت 675هـ .
- وفي القرن السابع ظهر أيضاً جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولوية بتركيا ت 672هـ .
أصبح القرن الثامن والتاسع الهجري ما هو إلا تفريع وشرح لكتب ابن عربي وابن الفارض وغيرهما ، ولم تظهر فيه نظريات جديدة في التصوف .
وفي القرن التاسع ظهر محمد بهاء الدين النقشبندي مؤسس الطريقة النقشبندية ت 791هـ .
وكذلك القرن العاشر ما كان إلا شرحاً أو دفاعاً عن كتب ابن عربي ، فزاد الاهتمام فيه بتراجم أعلام التصوف ، والتي اتسمت بالمبالغة الشديدة .
- وفي القرون التالية اختلط الأمر على الصوفية ، وانتشرت الفوضى بينهم وبدأت مرحلة الدراويش
- ومن أهم ما تتميز به القرون المتأخرة ظهور ألقاب شيخ السجادة ، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية ، والخليفة والبيوت الصوفية التي هي أقسام فرعية من الطرق نفسها مع وجود شيء من الاستقلال الذاتي يمارس بمعرفة الخلفاء ، كما ظهرت فيها التنظيمات والتشريعات المنظمة للطرق تحت مجلس وإدارة واحدة الذي بدأ بفرمان أصدره محمد على باشا والي مصر يقضي بتعين محمد البكري خلفا لوالده شيخا للسجادة البكرية وتفويضه في الإشراف على جميع الطرق والتكايا والزوايا والمساجد التي بها أضرحة كما له الحق في وضع مناهج التعليم التي تعطي فيها ، وذلك كله في محاولة لتفويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه ، وقد تطورت نظمه وتشريعاته ليعرف فيما بعد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر .
ومن أشهر رموز هذه القرون المتأخرة : - عبد الغني النابلسي 1050-1287هـ ، أبو السعود البكري المتوفي 1812م ، أبو الهدى الصيادي الرفاعي 1220-1287هـ ، عمر الفوتي الطوري السنغالي الأزهري التيجاني ت 1281هـ ، محمد عثمان الميرغني ت 1268هـ ، أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني ، فقيه متفلسف ، من أهل فاس بالمغرب ، أسس الطريقة الكتانية 1290-1327هـ ، انتقد عليه علماء فاس بعض أقواله ونسبوه إلى فساد الاعتقاد ، أحمد التيجاني ت 1230هـ . انتهى
منقول
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
المفضلات