مقالات
ثقافة التخلف
تعد الثقافة رافداً أساسيا في بناء الفرد، وتعتبر المعرفة العامل الأول في تقدم المجتمع والارتقاء به، وهي حالة تستدعي معرفة مدى تأثيرها وانعكاسها وتداولها في مجتمعاتنا، وهل استطاعت المجتمعات استيعاب دور المعرفة في رفد إنسانها ومؤسساتها وأجهزتها، أم أنها ارتكزت إلى ارثها وتراثها وبالتالي لم تعد بحاجة إلى الاتصال بالأخر؟ وهل يكمن السبب في غياب أهداف التربية والتعليم الواضحة في جميع المراحل التعليمية؟ وهل غياب السياسات الثقافية والعلمية وتخبط النخبة وعدم اعترافها بغيرها هي السبب الكامن وراء التخلف الثقافي الذي يلف حياتنا في مفاصلها كلها؟.
وتعالوا ننظر في الظروف المحيطة بالفرد لكي نقرر كيف السبيل للتخلص من ثقافة التخلف، ولعل البيئة الملوثة هي المحطة الأولى التي يجب أن نفكر فيها؛ خاصة أن تغيير الحياة بموجب هذه البيئة لا يكاد يغادر الأفكار التي انطبعت في عقول الكثيرين، ومن ينظرون خارجها يعدونه اعتداء على خصوصيات متوارثة، وهذا يؤدي إلى تخلف حضاري أساسه القناعة بأفكار بالية على الرغم من بطلانها، فضلا عن عدم الاقتناع بأي رأي خارج منظومة البيئة، وذلك للاعتقاد السائد من أن الأخر دائما على خطأ وأن رأي البيئة هو الصواب.
ولا ننسى أن بعضنا يلغي نفسه أمام أفكار الآخرين وتراه يرددها دون فهمها ومعرفة أبعادها، ويصل الأمر إلى تصديق هذه الأفكار وان كانت تحمل أجندة خاصة وكأن كلام الآخرين غير قابل للنقاش والحوار، وتراهم ينساقون معهم للبحث عن عدو حتى وان كان من أبناء جلدتهم لجلده ونعته بأقذع الأوصاف والصفات في سبيل إشباع غرورهم، وهنا دعنا نقول لأصحاب هذه الثقافة عليكم أن تعودوا إلى أنفسكم لكي تعرفوا أين انتم وأين أصبح الآخرون، كيف تتحاورون وكيف يبدع غيركم، كيف تتآمرون على أنفسكم والآخرون منشغلون بالبناء والعطاء؟ نعم انه التخلف الذي يلف مشهد الحالمين بالنرجسية والانتجلنسيا، انه التخلف الذي يعد من أكثر الثقافات إهانة للعقل البشري، ومن يعتقد أن بيئته كافية لرقيه ومنافسته واهمٌ، لأن الحضارة والثقافة الحقة لا تعترف بالعقول المغلقة ولا بالآراء الأحادية ولا بالكذب على النفس والمجتمع، خاصةً أن بعضهم بات يكذب ويكذب حتى أصبح يعتقد أن كذبه حقيقة.
إن التخلف والتبعية سمة سيئة تحتاج إلى اجتثاث من حياتنا، إنها تبعية تلغي الذات المبدعة وتنطلق من وهنٍ وأمراض تستعصي على الدواء، وتقف عاجزة عن المعرفة والتفكير والتأمل، ثقافة تستسلم للتقوقع والعبث والطيش والأمر الواقع ويتصرف حاملوها بغرور وفحش وبلغ اليأس بهم حالة متقدمة انتهجوا معها الخرافة والشعوذة، وهي أمور يلجأ إليها العجزة الذين لا يستطيعون تفسير الظواهر المحيطة بهم، والغريب أن يغيب عن المشهد رواد العلم والعقل والثقافة الحقيقية لحساب الانتهازيين وأدعياء الثقافة وأشباه المثقفين ويصبح للخرافة والتخلف والتبعية مؤسساتها ومنابرها خاصة بين جيل الشباب الذين يحتاجون إلى تنوير مستمر كي يتخلصوا من طيشهم وعنادهم وافتقار بعضهم إلى سمو الخلق، نعم نحتاج إلى إعادة الاعتبار للغتنا وقيمنا وسلوكنا وأخلاقنا وعلاقتنا بالآخر على قاعدة العطاء والإبداع والاحترام المتبادل .
د. محمد القضاة
المفضلات