-------------------------------------------------------------
كنتُ أواسيها بعد إخفاقها في تجاوزِ أحدِ المواد , حين قالتْ بنبرةٍ حزينة : ” أنتِ لا تدركين مقدار مصيبتي فهي ليست مجرد مادةٍ سأعيدُ دراستها , أنها ستحرمني من التخرج معكن ومن الفرصة التي تتعلق بها آمالي ” .
أعرفُ أحوال هيفاء , واعرفُ مقدار خيبتها , لكنها تصفني بعدم الإدراك , كما يكررن دائماً حين أحاول التخفيف عنهن .
منى والدتها مطلقة ووالدها مُقعد وبالكاد يكفي راتبه لاحتياجاتها وأخواتها .
وسامية تقضي يومها بين طبخٍ وغسيل رغم وجود اثنتين غيرها .
ومريم تكافح لئلا يُسرق منها الفرح في - أيامها الباقية - كما يقول الأطباء .
وسارة التي تهاب التخرج كي لا تُزف لذي السوابق - كما تسمي ابن عمها - فهي لن تكون لغيره , وإن رفضها .
ورهف وفاطمة وسمر , كلهن يجتمعن على الوجع , وبث همومهن لي , وأنني أضع يدي وربما قدمي أيضاً في ماءٍ بينما أيديهن تقبض على جمر .
في المرحلة الثانوية , قالتْ هناء : ” صارحيني يا آلاء . أيعقل أن تكون حياتكم مثاليةً لهذه الدرجة ! “
باستنكارٍ قلت : أهو اتهام بالكذب !
فأجابتْ بخبث : ” إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه ” .
مر علي ذاك اليوم عصيباً , إذ اجتمع ما اسمعه من سنوات : الدنيا سجن المؤمن - المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور- الدنيا جُبلت على الكدر - إن الله ليستدرج البعض بالنعم - أهل البلاء أسرع الناس دخولاً الجنة وأوفر جزاءً .
نفضتُ أوراقي اليابسة في فناءِ والدتي وسألتُ بشجن : أيحبنا الله !
قالتْ بهدوء : ” كان عبد الرحمن بن عوف من أغنياء الصحابة أفلم يكن الله يحبه ! “
فأطرقتْ : كان صحابياً !
فلم تزد على : ” دعينا نعرض الأمر على والدك لعلنا نقتنع ؛ ما رأيك ! “
وهززتُ رأسي موافقة .
قال والدي : ” أيسركِ أن أكون فقيراً , أو تكوني بلا أم , أو يصاب أحد إخوتكِ بمرض , أو تسكني في حي قديم لترضي حسد الناس ! “
هززت رأسي نافية .
” ربنا يحبنا يا آلاء , أتعلمين لماذا ! “
أصغيتُ أكثر .
” لأنه ابتلانا بكل هذه النعم , ألم يقل نبي الله : [ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ] !
أيرضيكِ أن نخسر هذا الاختبار ! “
من يومها , سقطتْ هناء من قائمة المقربات . وظللتُ استمع لهمومهن , ولا تؤلمني , كما يؤلمني سخريتهن من رفاهيتي .
المفضلات