جمال جابر الملاح
خطاب أوباما يدعو للحرب الأهليةعلى الرغم من اعتراف باراك أوباما في بداية خطابه المنتظر بأن التغيير لا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها, وأن خطابا واحدا لا يمكن أن ُيزيل سنوات من انعدام الثقة, فإن خطابه الذي ألقاه من جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي يعتبر لخطة تجاه قضايا , والتي من المفترض أن تتصدرها .
وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأمريكي بأن "الحل الوحيد في الشرق الأوسط هو تحقيق تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمان ", إلا أنه "وقع " خلال خطابه للعالم الإسلامي فى عدة أخطاء, أوضحت أن الإدارة كثيراً تجاه الصراع العربى الإسرائيلي, لأن الرئيس الأمريكي يدرك بأن علاقة أمريكا بإسرائيل علاقة "متينة", مستندة إلى "علاقات تاريخية وثقافية", فقد أعترف خلال مؤتمر صحفي في القاهرة بأن أمريكا لا يمكنها أن ُتفرض حلاً, ولكنها طرف من أطراف عدة يجب أن تؤمن بالحل السلمي.
كما وقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطأ عندما صنّف الصراع العربى الإسرائيلي أو ما أسماه "بالموقف بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربى " بالمصدر الأساسي الثاني للتوتر الحادث بين المسلمين وأمريكا, بعد المصدر الأول الذي وصفه "بكل أشكاله".
فالرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يدرك بأن السبب الرئيسي للتوتر القائم بين العرب والمسلمين من جهة، والغرب وأمريكا من جهة أخرى ناتج عن الصارخ من أمريكا ودول غربية للإسرائيليين في الصراع, وأنهم مصرون علي دعم الكيان المحتل بكل ما يديم هذا الاحتلال وما يمارسه بشكل منتظم من ضد الفلسطينيين والتهام المزيد من الأرض الفلسطينية والذي يتم بشكل شبه يومي وأن التطرف ناتج عن هذا الانحياز ليس غير ذلك .
ومع ذلك فقد استمر باراك أوباما في زيادة العداء للأمريكيين عندما أعلن عن أن معروف, ولا يمكن تحطيمه أو كسره, لأنه وبحسب رأيه مستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية عميقة.
كما أن دعوته للحركة الإسلامية ", إلى إنهاء ما وصفه بقتل حماس للصهاينة ", دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من ستين عاماً, والتي كان آخرها مجزرة غزة يعكس الفهم المقلوب للقضية وغاب عنه أن القانون الدولي يعطي لمن احتلت أرضه حق المقاومة بشتّى الوسائل فكيف يسمي المقاومة المشروعة عنفا ؟؟.
وعلي الرغم من أنه "وفى نفس الخطاب" وصف ما يتعرض له الأبرياء في, بأنه فى ضمير البشرية, وتذكيره بالمجازر التي تعرض لها في أوروبا منذ عشرات السنين, ومنها بالطبع محرقة "", فإنه لم يصف ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين من مجازر بأنها هولوكست وكأن الرئيس أوباما يحاول إقناعنا بأن الصراع العربى الإسرائيلي سببه هجمات حماس على الشعب الإسرائيلي الأعزل واحتلال الفلسطينيين للأراضي الإسرائيلية وحصارهم لحد التجويع للإسرائيليين !!
وبالطبع فإن عدم ذكر المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني جاء ليطمئن على الأقل فى أمريكا, خاصة أتباعه في مجلس الشيوخ, الذين شددوا في رسالة للرئيس باراك أوباما, بأنه يجب ألا ينسي عند التطرق إلى أزمة الصراع العربى الإسرائيلي, بأن أمن إسرائيل من أمن أمريكا وأنهما لا ينفصلاًن !!
وخلال خطابه تطرق الرئيس الأمريكي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعتبر استمرار بناء المستوطنات في "الأراضي الفلسطينية " أمرا شرعياً, دون ذكر أن هذه المستوطنات هي في الأساس غير شرعية وتقوض استمرار عملية السلام بين الطرفين, لأن استمرار بناء المستوطنات نتج عنه أكبر العقبات في المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين, ألا وهى قضية حق اللاجئين في استرداد أراضيهم التي اغتصبها اليهود .
الخطير في تداعيات خطاب أوباما الأخير، أنه سيزيد من الخلافات البينية بين الأطراف العربية, على الجانب الفلسطيني بصفة خاصة , والعربي بصفة عامة, فمن المتوقع أن يتخذ الخلاف الفلسطيني " بين حماس وفتح", منحى أكثر حدة وتوترا, قد تصل إلى حد الاقتتال, ونشوب حرباً أهلية فلسطينية, مما يؤثر على اجتماعات المصالحة الوطنية التي تستضيفها القاهرة.
وهو ما بدأت بوادره تظهر بالفعل، فقد ظهر اختلاف عميق حول رؤية الأطراف الفلسطينية لخطاب الرئيس الأمريكي, فمن جانبها قالت حركة حماس أن خطاب الرئيس الأمريكي به كثير من التناقضات على الرغم من أنه يحمل تغييرا ملموساً فى حديثه, ولكنها رأت أن الخطاب دغدغة للعواطف ومليء بالمجاملات, وأن الخطاب معنياً فى الأساس لتجميل وجه أمريكا أمام العالم ليس إلا.
أما الطرف الفلسطيني الآخر, وهو السلطة الفلسطينية "فتح", فقد رحبت بالخطاب، واعتبرته "بداية جيدة".وإشارة لبدء حملة تصفية ضد أعضاء حماس في الضفة باعتبار حماس تمارس العنف غير المبرر تجاه إسرائيل وأنها عقبة في طريق السلام .
وقد جاءت "تداعيات الخطاب الأوبامى", والذى وصف فيه "ضمنياً " حركة حماس بأنها عقبة فى طريق السلام, سريعة للغاية فقد حدثت بالفعل قبل قدوم الرئيس الامريكي إلى القاهرة, والقاءه الخطاب, مواجهات مسلحة بين حركتى فتح وحماس, مما قد يدخل الطرفان فى اقتتال يؤدى إلى حرباً أهلية فلسطينية.
كما أن الإعلان "الضمني" للرئيس الأمريكي بأن "حماس" هى سبب رئيسى فى استمرار الصراع العربى الاسرائيلى, وعقبة فى طريق السلام, بعدم اعترافها بإسرائيل, فضلاً عن أعمال "العنف" التى تقوم بها تجاه الإسرائيليين، سيزيد ذلك من اتساع الفجوة بين ما يطلق عليها دول الاعتدال, التى تدعم حركة فتح , وتطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل, ودول الممانعة, والتي تؤيد حركة حماس فى استمرار المقاومة حتى النصر، مما سيزيد من حده الخلافات العربية البينية .
بل لا نبالغ إذا قلنا أنه سيزيد من الخلافات بين دول الاعتدال العربي من جهة, وإيران من جهة أخرى, على اعتبار أن الأخيرة الممول الأول لحركة حماس تجاه الاحتلال الإسرائيلي باعتراف الحمساويين أنفسهم.
كما أن مطالبة الرئيس الأمريكى الدول العربية باعتبار مبادرة السلام العربية بداية مهمة, ولكنها ليست نهاية مسؤلياتها, وألا يستخدم الصراع العربى الإسرائيلي لتحويل أنظار الأمم العربية عن المشاكل الأخرى, هذا المطلب يحمل بين طياته ضرورة أن يستمر العرب فى تقديم التنازلات, خاصة فيما يتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين, كما أن هذا المطلب يعطي مصداقية للتقارير التى أبرزت بأن هناك خطة أمريكية جديدة لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى, ومن المحتمل أن تكون هذه الخطة هى من صياغة اللوبى اليهودى فى أمريكا, يفرض من خلالها الرؤية اليهودية علي الصراع.
ورغم ماسبق, فإن خطاب أوباما وضع الإسرائيليين فى مأزق, خاصة فيما يتعلق بالمستوطنات, مما زاد من حدة الخلافات بين الجانبين, فقد وصف الإسرائيليون أوباما بعد الخطاب بأنه رجل معاد للسامية, ويكره اليهود, ولا يحق له توجية إنذارات لإسرائيل, هذا الوصف جاء احتجاجاًً على تدخل أوباما فى سياسة إسرائيل الاستيطانية.التي تلتهم ما تبقي من أراضي ما يسمي بفلسطين !!
* باحث في الشؤون الإعلامية والاقتصادية
المفضلات