يبدو أن المنطق قد ساد أخيرا بالقاهرة أمس. فقد عقد نائب الرئيس مباحثات مع أحزاب المعارضة بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين. وبدا عمر سليمان مستعدا لدراسة إصلاحات دستورية. وفيما وراء المباحثات، عاد مظهر الحياة الخارجي لطبيعته في العاصمة بعد أن أعادت بعض البنوك والمشروعات فتح أبوابها لأول مرة منذ 13 يوما.
وقالت ذي تايمز إن الوضع يبدو جيدا لكن آلاف المتظاهرين الذين ملؤوا ميدان التحرير مرة أخرى غير مقتنعين. فهم يرتابون في أن النظام الحاكم قد استبدل العنف الواضح الذي حدث الأسبوع الماضي بخطة أخبث لتقويضهم تقوم على استمالة المصريين المنهكين من الاضطرابات بتنازلات ظاهرية وتلطيف واضح وأمن مستتب.
والتحدي الذي يواجهه المتظاهرين الآن هو إطالة بقاء ثورتهم في وجه تلك الدعوات المغرية والخطيرة في ذات الوقت، ولهذا السبب أطلقوا على الأسبوع المقبل "أسبوع الصمود". فالبقاء للأصلح والنظام خصم عنيد"، كما قال متحدث بالمظاهرة. وأضاف آخر "إنها معركة مرونة".
وأشارت الصحيفة إلى أن مباحثات الأمس مع مجموعة من الأحزاب المعارضة هي المرة الأولى التي يجلس فيها مسؤول كبير بالنظام مع جماعة الإخوان المسلمين التى قضى أعضاؤها سنوات بين الاعتقال والسجن والتعذيب، وأن مثل هذا اللقاء كان لا يمكن تصوره قبل بضعة أيام فقط.
"
مبارك ربما يأمل في إنهاك المتظاهرين من خلال حرب استنزاف لكنه يواجه أيضا ضغوطا لحسم المواجهة بسرعة. فالاقتصاد المصري ينزف يوميا أكثر من 300 مليون دولار وقد انهار قطاع السياحة الذي يشكل 7% من الناتج القومي الإجمالي وقد أغلقت مصانع متعددة الجنسيات أبوابها وهرب المستثمرون الأجانب
"
ذي تايمز
فقد وافق نائب الرئيس على تشكيل لجنة مشتركة لدراسة إصلاحات دستورية، وتعهد بإطلاق سراح الناشطين المسجونين وضمان حرية الصحافة ورفع قوانين الطوارئ وفق "الظروف الأمنية".
وتأتي هذه التنازلات الظاهرية بعد أقل من 24 ساعة على إقالة مبارك كل قيادة الحزب الحاكم بمن فيهم ابنه جمال.
وتعليقا على هذه التنازلات، اشتكى عصام العريان القيادي بجماعة الإخوان من أنهم "لم يستجيبوا لمعظم طلباتنا واستجابوا فقط لبعض المطالب ولكن بطريقة سطحية". وقال مصطفى النجار، مؤيد لمحمد البرادعي "الاحتجاج سيستمر لأنه ليس هناك ضمانات ولم تُلب كل الطلبات".
وأشارت الصحيفة إلى أن القاهرة مرت بتحول لافت للنظر حيث توقف عنف الأسبوع الماضي كما لو كان بضغطة زر. وتمكن المراسلون الأجانب من السير في الشوارع بلا خوف من الاعتداء عليهم أو اعتقالهم. واختفت جماعات الحماية الشعبية وعادت خدمات الإنترنت للعمل بكامل طاقتها.
وعادت بعض المدارس والمكاتب والمحلات والبنوك تفتح أبوابها لأول مرة منذ بداية الاحتجاجات يوم 25 يناير/ كانون الثاني وبرزت طوابير صرف المعاشات وأزيلت مركبات الشرطة المحروقة من ميدان التحرير، وعادت حركة المرور إلى الشوارع بصخبها المعهود، حتى المتسولون عادوا يفترشون الطرقات.
وأشارت ذي تايمز إلى أن مبارك يتمتع بميزة وهو يقاتل من أجل البقاء في السلطة حيث يواجه معارضة "بدائية تماما" كما وصفها أحد المسؤولين الغربيين، وأن هذه الثورة ليس على رأسها أمثال ليش فاليسا أو فيدل كاسترو أو آية الله الخميني وليس لها قائد يلتف حوله عامة الشباب ومجموعات فيسبوك وعشرات اليساريين والليبراليين وأحزاب المعارضة الإسلامية وتحالفات التغيير المختلفة و"مجالس الحكماء" التي تنتفخ صفوفها.
وقالت الصحيفة إن الجميع متفقون على ضرورة رحيل مبارك، لكن هذا هو كل ما في الأمر. فليس هناك إجماع على ما إذا كان بالإمكان أن يظل رئيسا صوريا، على سبيل المثال، أو ما إذا كان المخضرم بالنظام عمر سليمان محاورا مقبولا أو جديرا بالثقة أو ما إذا كان ينبغي على المعارضة ألا تدخل في مباحثات على الإطلاق ما لم يرحل مبارك.
وأضافت أن مبارك ربما يأمل في إنهاك المتظاهرين من خلال حرب استنزاف لكنه يواجه أيضا ضغوطا لحسم المواجهة بسرعة. فالاقتصاد المصري ينزف يوميا أكثر من 300 مليون دولار وقد انهار قطاع السياحة الذي يشكل 7% من الناتج القومي الإجمالي وقد أغلقت مصانع متعددة الجنسيات أبوابها وهرب المستثمرون الأجانب.
لكن المتظاهرين يصرون على البقاء في ميدان التحرير حتى يحصلوا على مرادهم، وقال أحدهم إنه مستعد للبقاء هنا سنة إذا لزم الأمر رغم أن الاضطرابات دمرت عمله ولديه أربعة أطفال يعولهم. والبعض الآخر يقولون إنهم ليس لديهم خيار سوى البقاء حتى نهاية المعركة لأن النظام التقط صورا لوجوههم، وقال أحدهم إنه لا يريد أن يتلقى رصاصة في رأسه من الخلف وهو عائد لمنزله.
المصدر: تايمز
المفضلات