.
.
-1-
وطنك قطعة نرد ..
بلون واحِد ،
و ستّة أوجه ..
و لا عبين جشعين كُثر ،
و رابحٍ تذكَّره الحظُّ فجأة !
.
.
حينَ حزمَ الوطنُ على ظهرهِ ملامِح وجهِك القديم و رحَل !
كان صوتك قد انضمَّ أخيراً إلى القافِلة .. و غادَر .
رائحةُ القرنفُل - وحدَها - ما غادَرتْ ،
إذ مازلتَ تشتمُّها قويَّةً ، عندَ كلِّ .. نزيف .
-2-
صدرُكَ نايٌ ..
يُصدِر هذا النَّغم المُحبَّبْ ..
حين تسكُنُ خرابَهُ الرِّياحْ .
روحك وتر شريدْ ،
حين " يبردُون " أظافِرهم جيِّداً ليخدشوكْ ،
يتصاعَدُ نشيجك نغمَاً يُطربُ الجميع ،
يجعلُهم يتمادَوْن .. مطالبينَ بالمزيدْ !
قلبك جلد طبلٍ ،
تضعَهُ مراراً تحتَ الموقدِ لا ليتدفَّأ ..
إنَّما ليتمدّد حدَّ التمّزُق ،
فقطْ كي تمهِّدَ لخطواتهم الطَّريق ،
و حين يمضون غير مكترثين ..
يتصاعَد قرعُ نعالِهم نغماً يُطرِب الجميع ،
يجعلهم يتمادَون .. مطالبينَ بالمزيدْ !
-3-
يقول :
- أريدُ أن أعيشَ منعزلاً لوحدِي .. لأرتكب بهدوء جرائمي الصغيرة التّي أتنفّسُها ،
فأنا بهذه الطريقة أموت دون أنْ يلحظ ذلكَ أحد !
تستطرِد :
- الأطيافُ توحشِها الأماكِن المكتظّة ، تماماً كأنتْ .
الأطيافُ لا يمكن أنْ تشعرَ بالوِحدة و الوحشة .. و هي وحدَها !
لكِن فقط يجدر بك أن تفهم بأنَّ ..
العزلة ليست أن تكون بئيساً و .. وحيداً !
و لا أن يحيطوا بك من كلّ جانب ، ليدسّوا بجيوب روحك المزيدَ من .. الخواء .
العزلة هي ..
شوقُ النوافذ المترعةِ في وجهِ الرّيح ، لوجهٍ غابر .. لا يطلّ .
احتضار الأبواب في انتظار أيادي شحيحة .. لا تَطرُق .
و نحيبُ البوصلة ، حين تفهم - وكأنّها المرة الأولى - ..
بأنّ الله قد خلقك و روحك موزّعة بالقسطِ على كلّ الجّهات !
العزّلة ببساطة ..
أنْ يخنقكَ طوال العُمرِ .. ظلّك !
.
.
.
يسأل :
- لم لا تكتُب ، أم تراه لم يُعجبك ذاك القلم الذي أهديتُك إيّاه ؟
فتُجِيب :
- إنّ من يمنحك قلماً لتكتب ..
كمن يمنح أرِقاً سريراً لينام .
أجفانُ الأرِق لم تحتقِن بالسَّهر .. لعوزٍ في الأسِرَّة .
و أنا - كذلك - لَم يتكوّم البياض بصدرِ ورقي .. لخصاصٍ في الأقلام .
-4-
كانَ من الحِكمة أنْ يكفّ الناس عن إرسالِ رسائِلهم عبر الحمامِ ،
و يستعيضوا عنْه َ بشاشاتِ الهواتِف البارِدة ،
فقدْ كانَ لـ خفقِ الحمامِ أن ينتحرَ بسماءِ هذه المدينة ،
إذ أنَّ بياضُه لَنْ يسعِفَهُ لحمْل كلّ هذا الكذِب !
.
.
و كانَ من الحكمة أنْ تقتنِع متأخراً بأنَّهم ..
لكي يندثروا من حولِك ،
لَم يكُن عليك أن ترتكب كلّ هذه الحماقاتْ ،
إذْ كنت لتكتفي بحماقةٍ واحِدة .. كالصِّدق !
-5-
أخبَرتهم مراراً بأنَّ الغرباءَ حين لا يبكُون تتنتَّنُ أرواحهم ،
فلِم الآنَ يقفلونَ أنوفَهم بكلّ هذا الاشمئزاز ؟
عليهُم أن يفهموا جيداً أنَّك قد تخليت منذ زمن عن مهمتك البئيسة في نفخ الحياة بصورهم .
عليهم أن يفهموا جيداً كلّ ذلك و للمرَّة الأخيرة ..
لـأنَّك ما عدت الأحمقَ الذي ينفخ في القرب المشقوقة !
.
.
ما زال بمقدوركَ أن تُحدِث جلبةً وراءَك ..
لكِنْ لم يعد بوسعِك العودة لمجاملتِهم ،
أنتَ هكذا ، عاصفة .. لا تعودُ منحنية إلى الأشجار لتعتذِر لها عنِ الأوراقِ التِّي أسْقطَتْها !
-6-
و ما زلتَ تبحثُ عن أشيائكَ في أماكِنها التِّي تعرف ..
عنْ مفاتيحِ المنزلِ منسيةً بالكوَّة الخارجية للباب ،
هاتِفك تحتَ السَّريرْ ..
و اسمكَ القديم .. محنَّطاً على الشفاهِ اليابسة !
وَ ما زلتَ تميل إلى فعل الأشياء الأكثر إرهاقاً ،
أن تترك الورق المسطر لتكتب بورقة بيضاء ،
تتجنَّب الطريق الغابوي الممهد لتسلك زقاق الحي المليء بالمتشردين ،
و أن تكفُرَ بالعالم بأسرِه ، و تُؤمن به .. وحده !
-7-
حين كنت صغيراً ،
و كنت تسمع شقشقة العصافير ،
كنت تفهم .. أنك بكَّرتَ في النهّوض .
اليوم .. ـ و لعلّه من المهم أن تعرف أنّك ما عدتَ صغيراً ـ .
و عندما تسمع شقشقة العصافير ،
تعي .. أنك من الأكيد ، نجحتَ في النوم و بدأتَ تحلم .
.
.
ببساطة لا يحتملها أمثالك ..
مُصاب جسد أحلامِكَ بـ .. الجذام !
-9-
أديسون ، اخترعَ المصباحَ .. لأنَّه كانَ يخافُ الظَّلامْ ،
و أنتَ ، اخترعتَ كلّ هذه العتمة ..
لأنَّك ترتعبُ من وميض الآمالِ بأعينهم .
-10-
وحدَك و دوناً عنهم جميعاً تعلم بأنَّ ..
الأشياء التي لا نُحب .. لا تتأخر أبداً في المجيء .
و أنَّ الأشياء التي نُحب هي الأخرى ، لا تتأخر أبداً في المجيء ..
لكننا نحنُ من نبكر في الرَّحيل !
.
.
الجميع أعجبه حذاؤكَ الجديد ..
و الجميع لم يفهم سبب مشيتك المتعكزة تلك بمنتِصف الطّريق .
و أنت وحدك كالعادة مَن تفهم جيداً .. كم توجعنا أشياؤنا الجديدة !
-11-
بعض الألسنة ، كالإبَرِ ..
عليها أن تكون حادَّة لتؤدّي وظيفتها جيداً .
و بعضُ الكلامِ كالفاكهة إلَّم يُقَل في أوانِه فإنَّه يسَّاقَط عفناً !
.
.
و أنتَ لست سيئاً ، لكنك أكثر ميلاً للسيئين .
تنفر كثيراً من الطيبين ، لأنهم يزرعونَ المسافة بينك و بينهم بنواياهم البيضاء ،
و آمالهم التي ينزعونها عن أرواحهم ليعلقوك بها .. تخنقُك حدّ الانتحار .
تميل لسيئين ، لأنهم على الأقل .. ،
لن يأتُوا بأحلامِهم منطفئة إليك ، ينتظُرون أنْ يشعلَها رمادُ قلبك منْ جديد .
-12-
حماقاتُك ، كأسنان بفم رضيع ..
تظهرُ مدببة و حادّة ، مصاحبةً بوجعٍ و حمّى و سهرٍ له و لمن حوله .
فمه بتلك القطع البيضاء المُشوّهة الشكل يأخذ تدريجياً طريقه ليصبح طبيعياً ، مثله مثل بقية أقرانه الصغار .
ثم فجأة .. حين يكبر قليلاً ،
يصبحُ مطالباً من لدن الجميع ، بالتخلي عنْ أسنانه تلك . حتّى ممن لا يعنيهم الأمرُ في شيء..
ربَّما الآن فقط فهمتَ سر كُرهِ الصغار .. طبيب الأسنان !
-13-
هُنا بالضَّبط ..
حيثُ تنمُو شجرةُ الصَّبار ،
سقطَ .. - ذات عثرة - ، قلبك !
.
.
__________________
المفضلات