دخلت عليهم في أحد الأيام فاقتحمتني أعينهم بشدة حتى شعرت بأني متسول أتى ليستجدي ولست زائرا أتى ليسلم ..
لم أدر لماذا كانوا ينظرون إلي بازدراء في بداية الأمر .. ثم أدركت لاحقا بأني أتيت متأخرا بعض الشيء فقد تم اقتسام كل كميات التوقير و الإحترام - بالجور - بين الحاضرين قبل أن أصل حتى لم يبق لي أي شيء سوى بعض الإحتقار ..
أحدهم نال نصيبه ( محترم حاف) ..
وآخر نال نصيبه ( محترم كبير )
وثالث نال نصيبه ( محترم نصاب)
ورابع نال نصيبه ( محترم نص ونص )
وهكذا تم إنزال الناس منازلهم وترقية الحمير مراقيها وإعطاء الأشياء ماتستحقه بغض النظر عن كيفية الإستحقاق .. أما العبد لله ( أنا ) وأعوذ بالله - مثل بقية العالم - من كلمة أنا فقد كانوا يصرون على منحي لقب: ( غير محترم بالمرة ) ..
حقيقة غضبت ، ليس لأني ادعي استحقاقي للاحترام و لا لغيره ، فقد اعتدت على أن يسلب كل ما ادعيت انه حق لي وإنما غضبت لأنهم أعطوا نصبي المفترض من الاحترام( لعزوز الصغير ) الذي لم يجف مخاطه عن أكمامه بعد ..
- قالوا غير معتذرين : لقد وصل قبلك ..
و هذا أمر طبيعي جدا .. فقد كان - فضحه الله - متمرسا في الوصول لدرجة أنه قادر على تسلق أكتاف الرجال و مؤخرات غيرهم بكل سهولة ومن دون أن يشعر به أحد لأنه - كما يقال - ينتمي إلى فصيلة (الوصوليين) !!
أما أنا - كان الله بعوني - فلا أحسن تسلق ظهر حمار من الحمير دون أن يتململ و يبدي تضايقه مني بوقاحة . لأنه - وهذا ما أخبرني به شخصياً - يعتقد أن أسلوبي في ركوب ظهره غير حضاري أبدا و فيه نوع من الجلافة التي لا تليق بحمار مثله ..
حاولت إقناعه بأنه كسائر الحمير يجب ان يتقبل كونه مركوبا و مضروبا أيضا لكنه في كل مرة يرفض ..
يقول بأنه لايمانع بأن أركب على ظهره لكن الخلاف بيننا في الكيفية فقط !!
بصراحة أحترم رأي الحمار العزيز لكني أعتقد أنه مخطئ ، فمادام هو حمار ومادمت آدميا أعلى رتبة منه فالأمر لايحتاج إلى أن أتملقه وأطلب منه أن يسمح لي بالركوب و أقدم مقدمات طويلة وأستعطفه ، أحتاج فقط أن أصارحه بواقعه الذي هو فيه ثم ألقي بثقلي على ظهره وأقول : حااااااااء .. حاااااااااء
هذا ما أعتقده لكنني علمت لاحقا بأنه ليس كل الحمير تتقبل الأمر بهذه السهولة بل إن بعضها يشترط أن يركبك مقابل أن تركبه وهو مايعبر عنه البشر بقولهم : ( شد لي وأقطع لك ) ..أو ( اخدمني وأخدمك ) أو ( شيلني وأشيلك ) ونحو ذلك .. الفرق فقط في التعبير .. فالحمير تقول : (اركبني و أركبك ) !! ..
للأسف كان عزوز - بمخاطه السائل - يدرك جيدا هذه المعاني الملتوية بينما لا أفعل فغلبني على لقيمات من الاحترام المعلب كنت أريد أن أقيم بها صلبي المحدودب ..
شي عجيب ما يفعله البشر ..
فهم يسرفون في الأساليب الحظيرية ( الحضارية ) في كل أمور حياتهم ، و يبالغون في ( دهن سيور ) من يحب أن تسير الأمور معه بلزوجة عالية ..
عزوز كان يدري بأن هناك الكثير من الناس لديهم أسباب توجب احترامهم حتى لو لم يقدموا أي شيء ..
و يدري أن هناك آخرين لديهم ما يوجب تقبيل أقدامهم التي يدوسون بها جباه الناس و بطونهم ..
كان يلبس لكل حثالة لبوسها فإن استدعى الأمر أن يرتدي لباس الراقصة لبسه ، وإن استدعى خلْعه خلَعه وسار عاريا .. وإن استدعى لبس الشوارب لبسها و متى انتهى خلعها وهكذا ..
صحيح أنه يهان من قبل أفراد لكنه يحظى باحترام جماعات في مقابل ذلك ..
وهكذا هي الأمور بالنسبة له يسمح لغيره أن يهينه ليقوم هو بإهانة غيره كنوع من إعارة الشرف و استعارته ..
وماكنت يوما ذكيا مثل عزوز فعندما يصفعني أحدهم بيده أقوم بصفعه بحذائي لأني غبي جدا وأتصرف بعفوية .. وبالتالي نال نصيبي الذي يخصني من الإحترام و نلت نصيبه الذي يخصه من المهانة ..
و أستغفر الله لي ولكم ..
المفضلات