بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
" إنما أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 149 ) :
موضوع .
ذكره ابن عبد البر معلقا ( 2 / 90 ) و عنه ابن حزم من طريق أبي شهاب الحناط عن
حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به ، و قد وصله عبد بن حميد في
" المنتخب من المسند " ( 86 / 1 ) : أخبرني أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب به ،
و رواه ابن بطة في " الإبانة " ( 4 / 11 / 2 ) من طريق آخر عن أبي شهاب به ، ثم
قال ابن عبد البر : و هذا إسناد لا يصح ، و لا يرويه عن نافع من يحتج به .
قلت : و حمزة هذا هو ابن أبي حمزة ، قال الدارقطني : متروك ، و قال ابن عدي :
عامة مروياته موضوعة ، و قال ابن حبان : ينفرد عن الثقات بالموضوعات حتى كأنه
المتعمد لها ، و لا تحل الرواية عنه ، و قد ساق له الذهبي في " الميزان "
أحاديث من موضوعاته هذا منها .
قال ابن حزم ( 6 / 83 ) : فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلا ، بل لا شك أنها
مكذوبة ، لأن الله تعالى يقول في صفة نبيه صلى الله عليه وسلم : *( و ما ينطق
عن الهوي ، إن هو إلا وحي يوحى )* ، فإذا كان كلامه عليه الصلاة و السلام في
الشريعة حقا كله و واجبا فهو من الله تعالى بلا شك ، و ما كان من الله تعالى
فلا يختلف فيه لقوله تعالى : *( و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا
كثيرا )* ، و قد نهى تعالى عن التفرق و الاختلاف بقوله : *( و لا تنازعوا )*
،فمن المحال أن يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع كل قائل من الصحابة
رضي الله عنهم و فيهم من يحلل الشيء ، و غيره يحرمه ، و لو كان ذلك لكان بيع
الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب ، و لكان أكل البرد للصائم حلالا اقتداء
بأبي طلحة ، و حراما اقتداء بغيره منهم ، و لكان ترك الغسل من الإكسال واجبا
بعلي و عثمان و طلحة و أبي أيوب و أبي بن كعب و حراما اقتداء بعائشة و ابن عمر
و كل هذا مروى عندنا بالأسانيد الصحيحة .
ثم أطال في بيان بعض الآراء التي صدرت من الصحابة و أخطأوا فيها السنة ، و ذلك
في حياته صلى الله عليه وسلم و بعد مماته ، ثم قال ( 6 / 86 ) : فكيف يجوز
تقليد قوم يخطئون و يصيبون ؟ ! .
و قال قبل ذلك ( 5 / 64 ) تحت باب ذم الاختلاف : و إنما الفرض علينا اتباع ما
جاء به القرآن عن الله تعالى الذي شرع لنا دين الإسلام ، و ما صح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى ببيان الدين ... فصح أن الاختلاف لا
يجب أن يراعى أصلا ، و قد غلط قوم فقالوا : الاختلاف رحمة ، و احتجوا بما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ،
قال : و هذا الحديث باطل مكذوب من توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية .
أحدها : أنه لم يصح من طريق النقل .
و الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يأمر بما نهى عنه ، و هو عليه
السلام قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ في تفسير فسره ، و كذب عمر في تأويل تأوله
في الهجرة ، و خطأ أبا السنابل في فتيا أفتى بها في العدة ، فمن المحال الممتنع
الذي لا يجوز البتة أن يكون عليه السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ .
فيكون حينئذ أمر بالخطأ تعالى الله عن ذلك ، و حاشا له صلى الله عليه وسلم من
هذه الصفة ، و هو عليه الصلاة و السلام قد أخبر أنهم يخطئون ، فلا يجوز أن
يأمرنا باتباع من يخطيء ، إلا أن يكون عليه السلام أراد نقلهم لما رووا عنه
فهذا صحيح لأنهم رضي الله عنهم كلهم ثقات ، فمن أيهم نقل ، فقد اهتدى الناقل .
و الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول الباطل ، بل قوله الحق ،
و تشبيه المشبه للمصيبين بالنجوم تشبيه فاسد و كذب ظاهر ، لأنه من أراد جهة
مطلع الجدي ، فأم جهة مطلع السرطان لم يهتد ، بل قد ضل ضلالا بعيدا و أخطأ خطأ
فاحشا ، و ليس كل النجوم يهتدى بها في كل طريق ، فبطل التشبيه المذكور و وضح
كذب ذلك الحديث و سقوطه وضوحا ضروريا .
و نقل خلاصته ابن الملقن في " الخلاصة " ( 175 / 2 ) و أقره ، و به ختم كلامه
على الحديث فقال : و قال ابن حزم : خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط .
المفضلات