الفصل الثامن الوعد القرآني في سورة محمد
سورة محمد صلى الله عليه وسلم مدنية، ولها اسم آخر هو: (سورة القتال)، وسميت سورة محمد لذكر اسم محمد صلى الله عليه وسلم في الآية الثانية منها: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ).
وسميت سورة القتال لذكر هذه الكلمة فيها: (فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ) [محمد: 20].
وفي السورة آيات عديدة تتحدث عن حقائق إيمانية، في المواجهة بين المؤمنين والكافرين. من هذه الآيات:
المراد بأوزار الحرب:
أولاً: قوله تعالى: (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)[محمد: 4].
الأوزار: هي الأثقال والأحمال، وهي جمع (وزر)، وهو الحمل الثقيل. والمعنى: حتى تنتهي الحرب.
وعُرضت هذه الحقيقة على أساس (التصوير القرآني)، الذي عَرَض به القرآن معظم موضوعاته، فلم تقل الآية: حتى تنتهي الحرب بين المسلمين والكافرين، وإنما صورت الحرب بصورة امرأة تحمل حملاً ثقيلاً، وهي مرهقة متعبة من ثقل الحِمْل. ونحن نراها بخيالنا تترنّح من ثقل الحمل.. ثم وصلت المحطة الأخيرة من سيرها، فوضعت عنها حملها، واستراحت.
والمراد بأوزار الحرب أسلحتها الكثيرة المختلفة، التي تستخدم فيها، والحشود والاستعدادات لها، وتكاليفها المالية والبشرية، والمادية والمعنوية، وما يرافقها من استنفار، وما ينتج عنها من نتائج ومصائب وإشكالات ومشكلات.
كل هذه أوزار وأحمال وأثقال، يدفعها المتحاربون من أنفسهم وأبنائهم، وأموالهم وطاقاتهم، وأوطانهم وبلدانهم، وحاضرهم ومستقبلهم.. وهذه الأوزار والتكاليف لا تتوقف إلا بوقف إطلاق النار، وانتهاء المعارك.
وهذه الجملة من الآية ضمن توجيه المؤمنين إلى كيفية التعامل مع الكافرين عند قتالهم. قال تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) [محمد: 4-6].
قتال الكفار وأخذهم أسرى:
عندما تنشب الحرب بين المسلمين والكفار، فيجب على المسلمين أن يحرصوا على قتل الكفار المحاربين، وضرب رقابهم، وتحطيم قوتهم العسكرية، وإيقاع الجراح فيهم، فإن ذلك يؤدي إلى إضعافهم وهزيمتهم.. فإذا أثخنوا الكفار، وأكثروا في عدد جرحاهم، وقضوا على مقاومتهم، فعليهم أن يُقيّدوا جنودهم بالوثاق، ويأخذوهم أسرى.. والإمام مخيّر في هؤلاء الأسرى، فهو إما أن يمن على بعضهم، إذا اقتضت مصلحة المسلمين ذلك، فيطلق سراحهم بدون مقابل، وإما أن يفادي بعضهم، بأن يطلب منهم أو من دولهم دفع مال مقابل إطلاق سراحهم.
ويبقى هذا الحكم القرآني في تعامل المسلمين مع الكفار المحاربين: القتل والجرح والأسر، حتى تضع الحرب أوزارها، ويتوقف إطلاق النار بين الفريقين.
ويخبر الله المسلمين أنه قادر على الانتصار من الكفار بإهلاكهم وتدميرهم، لأنه على كل شيء قدير. ويبين لهم حكمة أمرهم بقتال الكفار، إنه فعل ذلك ليبلوا المسلمين بالكافرين، فالجهاد امتحان وابتلاء لهم، وهم الذين يتربون على الجهاد، ويأخذون منه الدرس والدلالات والفوائد والمكاسب، رغم ما فيه من تضحيات ومشقات.
والشهداء ليسوا خاسرين، عندما قدموا أرواحهم خالصة لله، وغادروا هذه الدنيا، فإن الله سيدخلهم الجنة عرفها لهم.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات