من الظواهر المؤسفة في واقعنا ( غياب مبدأ الحوار ) ، وإذا تحرك الحوار ، فهو حوار فاقد لثقافة الحوار .
التحاور تلك اللغة المفقودة بيننا والواجب علينا البحث عنها وترسيخها في نفوسنا لنتمكن من تحقيق طموحات في خلق إنسانية لا قهر ينغصها ولا اقصاء يعتورها ولا إلغاء يقلقها ولا (حب انا )يكدر صفوها.
أن تحاور الآخر فأنت في حاجة إلى ( ثقافة ) ، هذه الثقافة تسمى ( ثقافة الحوار ) فليس كلّ من حاور الآخر يملك ( ثقافة الحوار ) ، وليس كل من يملك ( ثقافة الحوار ) يلتزم بهذه الثقافة في حواراته .
مشكلتنا أننا لا نتحاور ، وإذا تحاورنا لانفهم أسلوب الحوار نواجه الآخرين دائماً بالرفض المطلق ، ونضيق حينما يناقش الآخرون أفكارنا .
فيجب أن لا نتعقّد من الحوار مادام حواراً يبحث عن الحقيقة .
والحوار الباحث عن الحقيقة يجب أن يكون ( حواراً موضوعياً ).
وإن كان الخلاف في مسائل ذوقية ووجهات نظر فليس عسيرا علينا الالتزام برأينا واحترام الطرف الآخر وإعطاءه فرصة من الحرية وفتح باب التحاورمشرعا .
فما أحوج واقعنا المعاصر بكل إختلافاته المذهبية والثقافية والإجتماعية والسياسية إلى تنشيط ( ثقافة الحوار )
القلب هو الطريق إلى العقل ، وأنت تحاور الآخر حاول أن تدخل إلى قلبه قبل أن تفكر في الدخول إلى عقله .
وكيف ندخل إلى قلوب الآخرين ونحن نريد أن نحاورهم ؟ لكي تنمكن من الدخول إلى قلوب الآخرين نحتاج إلى ثلاثة أمور :
أن نفتح قلوبنا للآخرين ، أن نحاور الآخرين بروح الحب وليس بروح الحقد ، أن نحاور الأخرين بقلوب مفتوحة وليس بقلوب معقّدة .
( فبما رحمةٍ من الله لِنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك ) الاية 159 / آل عمران
( إذهبا إلى فرعون إنّه طغى وقولا له فقولاً ليّنا لعلّه يتذكرُ أو يخشى ) الاية 44 / طه
فيجب أن لا نتعقد من الآخرين الذين يختلفون معنا في الرأي
أن لانتهم دوافع الآخر الذي يختلف معنا في الرأي أو في الموقف .
الدوافع مسألة قلبية لا يمكن اكتشافها بسهولة .
الصحة والخطأ مسألة تخضع لشروط موضوعية يمكن إدراكها ، أما الدوافع فأمر لايمكن التعرف عليه بسهولة. إذا اختلف معك إنسان فمن حقك أن تقول له إن رأيك خطأ - لو اقتنعت فعلاً بخطأ رأيه - وليس من حقك أن تتسرع فنتهم دوافعه .
مشكلة الكثيرين أنهم لا يطيقون أن يجدوا من يخالفهم في الرأي ، فيسارعون إلى إتهام الآخرين الذين يخالفونهم في الرأي أو في الموقف .
أن لانلغي الآخر الذي نختلف معه في الرأي وفي الموقف .
إذا كان آخر ما توصل اليه منطق العصر ، و شفافية التعاطي مع الآخر ( أننا على صواب يحتمل الخطأ ، و الآخر على خطأ يحتمل الصواب ) .
فيجب أن لانعتبر الصوابية المطلقة في جانبنا ، والخطأية المطلقة في الجانب الآخر ، بل نضع إحتمال الخطأ عندنا ولو بنسبة واحد في المئة ، وإحتمال الصواب في الجانب الآخر ولو بنسبة واحد في المئة ، وهذا يخفف من غلواء الموقف ، ويخلق الانفتاح على الآخر.
ومن الثابت لدى كل ذي بصيرة أن الحوار الهادف لا يُكتب له النجاح إذا طغت عليه مصالح خاصة وقناعات خارجة عن الثوابت ولنتذكر جميعاً:
قول الله تعالى:} وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا{ "النساء:9" وقوله تعالى} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{"الأحزاب:71،70" وقوله – صلى الله عليه وسلم – ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم) متفق عليه.
إن كنتم تريدون منا أن نتحاور ونتآلف وننبذ كل خلافاتنا فالأحرى أن يفعل الكبار ذلك !
لتخلق لغة التفاهم بين علمائنا وأساتذتنا ومثقفينا أولاً !!
وإن كف الكبار عن التسقيط للآخرين سيكف الصغار !! لتُخلق بعدها لغة التحاور والتآلف !
من إيميلي الخاص
المفضلات