المقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة بالتأكيد، هذه الحقيقة لا بد وأن تأخذها الجهات صاحبة القرار قبل التحرك باتجاه التعامل مع ملف الإسلاميين، أقول هذا مع ازدياد درجة التوتر الرسمي من سلوك الإسلاميين في الفترة الأخيرة، وشعورهم أن سقف المطالب والخطاب بدأ يرتفع ويأخذ مناحٍ غير مسبوقة في تاريخ علاقة الإسلاميين مع الدولة خلال العقود الماضية، ورغم المنعطفات التي مرت بها العلاقة بين هذه الأطراف إلا أنها ظلت تصنف ضمن فئة العلاقات الاستراتيجية.
السؤال حول الأسباب التي أدت في العلاقة لتدخل نفقها هذا بمنعطفاته ومفاجآته على أهميته لكنه ليس هو السؤال الواجب طرحه في هذه المرحلة تحديداً، بل يجب التفكير بحلول سريعة تساعد بإعادة العلاقة بين الإسلاميين والدولة إلى أقرب مربع من مربع العلاقة السابقة قبل ما يقارب العقد من الزمن، ورغم الصخب الملازم لحراك الإسلاميين ومحاولات العديدين لتأزيم العلاقة بين طرفيها، ولكلٍ منهم سببه في التأزيم، إلا أن العودة إلى العلاقة المريحة بين الإسلاميين والدولة ما زال ممكناً.
بداية يجب الفصل بين التحليل والمعلومة، وفي هذا الإطار فإن كل من يقول أن إسلاميي الأردن يضبطون إيقاعهم على إيقاع الثورة في سوريا يكون قد حقق مقاربة جميلة نظرياً في إطار التحليل ولكنها بعيدة عن المعلومة والحقيقة عملياً، فالثورة السورية، ومع احترامي لحجم التضحيات التي قدمها الشعب السوري، غير محسومة النتائج، وما زال طريقها غير واضح أو محسوم، وفي حال انتصارها فإن حصة الإسلاميين لن تتجاوز الثلث في مختلف التقسيمات، فالمعارضة السورية خلال الفترة الماضية استطاعت تطوير وتسويق وجوه وشخصيات علمانية، كما أن المزاج العام في سوريا لا يميل الآن نحو إعطاء أية جهة حق احتكار حصري للسلطة، وأما الحقيقة الأخيرة فهي أن أي نجاح للثورة في سوريا يحتاج إلى اصطفاف الجيش مع الثورة، والجيش السوري علماني وسيكون قوة لا يستهان بها لترسم شكل سوريا القادم.
أما الحقيقة الثانية التي يجب أخذها بعين الاعتبار فهي عدم قدرة الإسلاميين على الحشد الكافي الذي يظهر قوتهم في الشارع، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود خزان تصويتي لا يجب الاستهانة به، وهو ما يعني أن قاعدة الحراك لدى الإسلاميين ترفض ما يقوم به بعض القيادات ولا تراه السبيل الأمثل للتعامل مع الدولة في هذه المرحلة، وهو ما يعني بالضرورة أن القواعد في الحركة الإسلامية، وهي مؤثرة في صنع القرار لدى الحركة، ما زالت ترى أن العلاقة مع الدولة علاقة استراتيجية لا يجوز تغيير القواعد الناظمة لها من قبل أي طرف.
في هذه المرحلة يجب على الحكومة التقليل من أخطائها وعدم الإقدام على أية خطوة دون دراسة وافية لأثرها الاجتماعي والاقتصادي، حتى لا تكون هي العتبة التي تقفز عليها الحركة الإسلامية، أو المبرر الذي يساعد الحركة على رفع صوتها عالياً، كما أن على الدولة عدم التحرك باتجاه الإسلاميين بصورة مستَفَزة، فالإسلاميون يدركون أنهم أمام اختبار صعب عليهم الإجابة عليه سريعاً، هل يريدون التحول إلى حركة تتحرك في الظل أو تحت الأرض أم أنها حزب قوي تحت قبة البرلمان، لتهدأ الدولة ولننتظر إجابة الإسلاميين قريباً.
رومان حداد
المفضلات