كتب محمد عبدالخالق مساهل ٢٨/ ١٢/ ٢٠١٠
محمد البرادعى
وصف الدكتور محمد البرادعى، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الانتخابات التى أجريت فى مصر مؤخراً، بأنها مزورة وهزلية، وأن صناديق الاقتراع تم تسويدها، والذين فكروا فى التصويت لصالح المعارضة، تعرضوا للعنف على أيدى من سماهم بلطجية محترفين، مشيراً إلى أن منظمات حقوق الإنسان وثقت هذه الانتهاكات جيداً.
وقال البرادعى فى مقال له نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أمس، تحت عنوان «حالة الطوارئ الحقيقية فى مصر»، إن مصر لديها دستور وقوانين تعكس إرادة شعبها، لكن مواد هذه القوانين عبارة عن خليط يرسخ القبضة الحديدية للنظام الحاكم، مشيراً إلى أن الرئيس مبارك يتمتع بصلاحيات وصفها بأنها إمبراطورية، فى حين لا يسمح بتجمع أكثر من ٥ أشخاص لينظموا مظاهرة سلمية دون تصريح، كما أن قوات الأمن تتواجد فى حرم الجامعات لتضمن عدم انضمام الطلاب إلى أى أنشطة سياسية.
واعتبر البرادعى أن التعديل الدستورى الذى أجرى عام ٢٠٠٥، جعل من المستحيل على أى ناشط مستقل أن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية، موضحا أن المرشح الذى لا ينتمى لأى حزب سياسى يمنع من الحصول على مقر أو جمع التبرعات، لافتاً إلى أنه تم منع النشطاء السياسيين فى أغلب الأوقات من استئجار أماكن لعقد الاجتماعات منذ أن بدأ حملة الإصلاح فى مصر.
وأضاف البرادعى: «تلقيت سيلا من الطلبات لإجراء حوارات صحفية، لكن بعد التضييق الأخير على وسائل الإعلام، لم تجرؤ أى قناة محلية على التعبير عن اهتمامها بالحديث معى، ومصر لديها، نظريا أحزاب سياسية متعددة، لكن تأسيس الحزب يستلزم تصريحاً من لجنة يسيطر عليها الحزب الوطنى، الذى يعتبر الماكينة السياسية التى احتفظت بمبارك فى السلطة منذ ١٩٨١، فى حين يجب على أى حزب جديد أن يبقى لمدة ٥ سنوات قبل أن يقدم مرشحا فى الانتخابات الرئاسية».
وقال البرادعى إن مصر انتخبت الرئيس نظريا، لكن على مدار نصف القرن الماضى، لم يكن يحكم البلاد سوى ٣ رؤساء فقط، وكانت هناك اختلافات فى أسلوبهم ورؤيتهم، لكنهم جميعا ترأسوا نظما سياسية استبدادية وقمعية، وأن المجتمع المصرى ظل خاضعا لحالة طوارئ وصفها بأنها قاسية وأداة سمحت للرئيس بتعليق الحماية الدستورية، وتم استخدامها فى الاعتقال والتعذيب، وأحيانا فى قتل من يجرؤ على الانشقاق.
وتابع البرادعى: «مصر لديها نظريا برلمان منتخب بشكل ديمقراطى، لكن عملياً فإن الرئيس يقوم بتعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى، فى حين يشغل الحزب الوطنى نحو ٤٤٠ من مقاعد مجلس الشعب البالغ عددها ٥٠٨ مقاعد (هناك ٤ مقاعد لم تجر عليها الانتخابات)، وهذا البرلمان لا يمثل الشعب على الإطلاق، ورغم أن نحو ١٠% من المصريين أقباط، فإنهم يشغلون ٣ مقاعد فقط.
وذكر البرادعى أن جماعة الإخوان المسلمين، حركة دينية تمكنت من الفوز بـ ٢٠% من المقاعد فى انتخابات ٢٠٠٥، لكنها استبعدت فى الانتخابات الأخيرة ولا تشغل أى مقاعد حالياً، بينما فاز حزب الوفد، الذى وصفه بأنه أكبر حزب ليبرالى بـ٦ مقاعد.
وقال البرادعى: «مصر لديها نظريا نظام قضائى، لكن فى الواقع يتم تجاهل القرارات القانونية عندما تكون عكس اتجاه الحكومة»، محذراً من استمرار تدهور النسيج الاجتماعى والاقتصادى فى مصر، موضحا: «رغم أن النمو السنوى فى إجمالى الناتج المحلى تراوح فى الأعوام القليلة الماضية بين ٥ و٦%، فإن الأثرياء هم من يستطيعون الحصول على السلع الاستهلاكية مرتفعة الثمن طوال الوقت دون الفقراء، مشيراً إلى أن الفجوة الفاحشة بين الأثرياء والفقراء تزداد سوءاً يوما بعد يوم، وأن الطبقة الوسطى اختفت، بينما يعيش ما يزيد على ٤٠% من المصريين بأقل من دولارين فى اليوم، وأن ما يزيد على نصف سكان القاهرة البالغ عددهم ١٥ مليون نسمة يعيشون فى العشوائيات التى تقترب من المنتجعات المحاطة بالأسوار التى تضاهى بذخ جنوب كاليفورنيا.
ورأى البرادعى أن مصر تحتاج إلى بداية جديدة وعاجلة، معتبرا أن أصوات المعارضة تتنامى عدديا وتأتى من توجهات ومهن وأديان ومناطق مختلفة، لكنها تتحدث بصوت واحد بحثا عن العدالة الاجتماعية، وتطالب بنظام حكومى مسؤول وشفاف، وفرض ضوابط لجميع أجهزة الحكومة بحيث تخضع للرقابة.
وزاد البرادعى: «نرغب فى فرصة اقتصادية لجميع المصريين والحق فى أن يعيشوا بكرامة وحرية، فنحن ننظم تغييرا سلميا معا، ويجب على المجتمع الدولى أن يدعم نضالنا من أجل الحرية وأن يلزم مصر بتعهداتها الدولية باحترام حقوق الإنسان، فلا ينبغى أن تداس حقوق المصريين بالأقدام، مقابل وعد خادع بتحقيق الاستقرار، لأن الاستقرار الزائف القائم على القمع هو قنبلة موقوتة توشك على الانفجار، والاستقرار الدائم فى مصر كأى دولة أخرى سوف يأتى عبر ديمقراطية حقيقة تلبى جميع حاجات وطموحات شعبها بشكل عادل».
المفضلات